مصـــــر

بحث فى ضمانات المحاكمات العادلة جزء 2

الفصل العاشر
الحق في أوضاع إنسانية أثناء الاحتجاز وعدم التعرض للتعذيب
لا يمكن تفعيل الحق في المحاكمة العادلة إذا حدت الأوضاع القائمة في السجون من قدرة المتهم على الاستعداد للمحاكمة أو إذا تعرض للتعذيب أو سوء المعاملة.
10/1 الحق في أوضاع إنسانية داخل الحجزإن حق كل فرد محروم من الحرية في أن يعامل معاملة إنسانية مكفول في الكثير من المعايير الدولية. والمعايير الواسعة منصوص عليها في معاهدات حقوق الإنسان، بينما توجد مجموعة كبيرة من الشروط الأساسية المحددة في المواثيق التي ليس لها طباع المعاهدة، ومن بينها "مجموعة المبادئ"، و"القواعد النموذجية الدنيا"، و"مبادئ آداب مهنة الطب"، و"لوائح السجون الأوروبية".
فلكل فرد الحق في الحرية وفي الأمان على شخصه (انظر الفصل الأول الخاص بالحق في الحرية)، والحق في أن يعامل معاملة إنسانية وأن يُكفل لشخصه الاحترام المتأصل فيه بحكم انتمائه للأسرة الإنسانية، وألا يتعرض للتعذيب أو سوء المعاملة (انظر فيما يلي)، والحق في أن تفترض براءته ما لم يثبت ذنبه بما لا يدع مجالاً للشك حوله في إطار محاكمة عادلة (انظر الفصل 15 الخاص بافتراض البراءة).
ويحق لكل شخص يُحرم من الحرية أن يعامل "معاملة إنسانية تحترم الكرامة الأصيلة في الشخص الإنساني."*
المعايير ذات الصلة
المادة 10(1) من "العهد الدولي""يعامل جميع المحرومين من حريتهم معاملة إنسانية، وتحترم الكرامة الأصيلة في الشخص الإنساني.

وتفرض هذه المعايير الدولية واجباً على الدولة إزاء ضمان حد أدنى من معايير الاحتجاز والسجن وحماية حقوق كل محتجز أثناء حرمانه من الحرية.
وقد أوضحت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان أن الأشخاص المحرومين من الحرية "لا يجوز تعريضهم لأية صعاب أو فرض أية قيود عليهم سوى ما ترتب منها على حرمانهم من الحرية... ويتمتع الأشخاص المحرومون من الحرية بجميع الحقوق المنصوص عليها في ("العهد الدولي") إلا ما تعارض منها مع ما لا يمكن تجنبه من القيود المحتومة بحكم وجودهم في بيئة مغلقة."
كذلك قالت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان إن "واجب معاملة المحتجزين باحترام للكرامة المتأصلة في شخص كل إنسان منهم هو معيار أساسي عالمي التطبيق. ولا يمكن للدول أن تبرر معاملتهم على نحو لاإنساني بحجة نقص الموارد المادية أو الصعوبات المالية. وهي ملزمة بتزويد جميع المحتجزين والسجناء بالخدمات اللازمة لتلبية جميع احتياجاتهم الأساسية.
وتشمل هذه الاحتياجات الأساسية: توفير الطعام، ومرافق الاستحمام والصرف الصحي، والفراش والملابس، والرعاية الصحية، والتعرض للضوء الطبيعي، والترويح عن النفس والتمرينات الرياضية، وتخصيص أماكن لممارسة الشعائر الدينية، والسماح للمحتجزين بالاتصال فيما بينهم؛ على أن يشمل ذلك إمكانيات الاتصال بالعالم الخارجي.
وتفرض المادة 10 من "العهد الدولي" على الدولة واجب معاملة المحتجزين معاملة إنسانية، بينما المادة 7 من العهد المذكور تحظر التعذيب وسوء المعاملة، ومن ثم فأوضاع الاحتجاز التي تنتهك أحكام المادة 10 قد تنتهك أيضاً أحكام المادة 7 أو قد لا تنتهكها، إذ أن المعاملة "اللاإنسانية" بالمعنى الموضح في المادة 10 تدل على قدر من الاستخفاف بالكرامة الإنسانية أدنى مما تحظره المادة 7."
وقد انتهت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان إلى أن المادة 10(1) قد انتهكت في حالة محتجز ادعى أنه احتجز في سجن عمره 500 عام يعج بالفئران والقمل والصراصير، حيث يحتجز النزلاء من الأطفال والنساء والرجال بمعدل 30 شخصاً في الزنزانة الواحدة ، ويعانون فيه من البرد والتيارات الهوائية. وادعى أن أرضه ملوثة بالغائط، وأن ماء البحر يستخدم في الاستحمام، وكثيراً ما يستخدم للشرب. ورغم أن ملاءات الأسرة كانت جديدة، إلا أن المراتب والأغطية كانت مشبعة بالبول. وكان معدل الانتحار مرتفعاً، وكذا نسبة الإصابات التي يحدثها النزلاء بأنفسهم، ومعدل المشاجرات وحوادث الاعتداء بالضرب فيما بينهم.
كما أوضحت اللجنة المذكورة أن عدم تقديم الطعام الكافي أو التواني عن توفير إمكانيات الترويح عن النفس انتهاك للمادة 10 من "العهد الدولي"، ما لم تكن هناك ظروف استثنائية.
وانتهت اللجنة الأفريقية إلى أن اللاجئين من النساء والأطفال والشيوخ محتجزون في أوضاع مؤسفة في رواندا مما يمثل انتهاكاً للمادة 5 من الميثاق الأفريقي.
ولكل شخص محتجز أو مسجون الحق في أن يطلب تحسين معاملته أو أن يشكو من سوئها. ويجب على السلطات أن تسرع في الرد على الشكوى، وفي حالة رفض طلبه أو شكواه، يجوز له اللجوء إلى القضاء أو التظلم أمام سلطة أخرى.**
وأعربت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان عن قلقها بشأن التحقيق في شكاوى سوء معاملة المحتجزين في فرنسا، لأن معدل التحقيق، إن أجري، قليل في معظم الحالات، "مما يتسبب في إفلات الجناة بالفعل من العقاب". وأوصت اللجنة بتأسيس آلية مستقلة لرصد أوضاع المحتجزين، وتلقي الشكاوى منهم بشأن سوء معاملتهم على يد الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين والنظر فيها.
10/1/1 الحق في الاحتجاز في مكان احتجاز معترف بهلضمان إمكانية اتصال المحتجز بالعالم الخارجي، ولوقايته من انتهاكات حقوق الإنسان، مثل "الاختفاء" والتعذيب، يتعين أن يكون من حقه ألا يحُتجز إلا في مكان مخصص لذلك الغرض معترف به رسمياً بموجب أمر احتجازٍ سارٍ، على أن يراعى قرب ذلك المكان، إن أمكن، من محل إقامته.***
10/1/2 سجلات الاحتجازيجب على السلطات أن تحتفظ بسجلات رسمية بأسماء جميع المحتجزين في مكان الاحتجاز وفي أرشيف مركزي على السواء، على أن تُحدث هذه السجلات باستمرار، مع السماح بالاطلاع عليها للمحاكم وغيرها من السلطات المختصة وأفراد أسرة المحتجز ومحاميه، وأي شخص له مصلحة مشروعة في هذا.****
10/1/3 الحق في الرعاية الطبية الكافيةالدول ملزمة بتوفير رعاية طبية جيدة للأشخاص المحتجزين، لأنهم لا يستطيعون بمفردهم الحصول على ما يلزمهم من رعاية طبية. وينبغي أن يفتح أمامهم باب الانتفاع من الخدمات الصحية المتاحة في البلاد دون تمييز بناءً على وضعهم القانوني.
والموظفون المكلفون بإنفاذ القانون مسؤولون عن حماية صحة المحتجزين.
وسوف نعنى في هذا القسم، من الدليل الذي بين أيديكم، بالمعايير التي تحكم "نوعية" الرعاية المقدمة للأشخاص المحتجزين، علماً بأننا سوف نتناول حق المحتجزين في الاستعانة بالأطباء والحصول على الرعاية الطبية في الفصل الرابع الخاص بالحق في الاستعانة بالأطباء.
والمعايير الخاصة بعلاج المحتجزين والسجناء محددة في المبدأ 24 من "مجموعة المبادئ" والقاعدتان 25 و26 من "القواعد النموذجية الدنيا" والقواعد 29 و30 و31 من "لوائح السجون الأوروبية" و"مبادئ آداب مهنة الطب".
والقاعدة 25 من "القواعد النموذجية الدنيا" والقاعدة 30(1) من "لوائح السجون الأوروبية" تلزمان طبيب السجن أو مركز الاحتجاز بتفقد جميع المحتجزين أو السجناء المرضى والذين يشكون من علة أو إصابة، وأي سجين قد تحتاج حالته إلى عناية خاصة "في ظل أوضاع تتفق مع المعايير المطبقة في المستشفيات، وبنفس المعدل من الزيارات الذي تقضي به المعايير المذكورة". والقاعدة 25(2) من "القواعد النموذجية الدنيا" والقاعدة 30(2) من "لوائح السجون الأوروبية" تقضيان بما يلي: "على الطبيب أن يقدم تقريراً إلى مدير المؤسسة كلما بدا له أن الصحة الجسدية أو العقلية لسجين ما قد تضررت أو ستتضرر من جراء استمرار سجنه أو من جراء أي ظرف من ظروف هذا السجن."
وتعتقد منظمة العفو الدولية أن من حق المحتجز أو السجين أن يستعين - على وجه السرعة - بطبيب عندما يزعم أنه تعرض للتعذيب أو سوء المعاملة أو عندما يكون هناك اشتباه في أنه تعرض لتعذيب أو سوء معاملة. ولا يجب أن يكون عرضه على الطبيب مرهوناً بالبدء في إجراء تحقيق رسمي في مزاعم التعذيب أو سوء المعاملة.
وتعتقد منظمة العفو الدولية أن أية امرأة محتجزة تزعم أنها قد اغتصبت أو اعتدي عليها جنسياً يجب أن تعرض فوراً على طبيب، والأفضل طبيبة. وهو تدبير حاسم للحصول على أدلة تكفي لملاحقة الجاني قضائياً.
والمبدأ 1 من "مبادئ آداب مهنة الطب" يلزم الموظفين الصحيين بأن يوفروا نفس المستوى والنوعية من الحماية والمعاملة المتاحين لغير السجناء أو المحتجزين. كما أن المبادئ من 2 إلى 5 من الوثيقة المذكورة لا تجيز للموظفين الصحيين القيام بالآتي باعتباره مخالفة لآداب مهنة الطب:
· القيام بأعمال تمثل مشاركة أو تواطؤاً في ممارسة التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
· "التورط في علاقة مهنية مع السجناء أو المحتجزين، لا يكون القصد منها مجرد تقييم أو حماية أو تحسين الصحة البدنية أو العقلية للسجين أو المحتجز".
· "استخدام معارفهم ومهاراتهم للمساعدة في الاستجواب على نحو قد يضر بالصحة أو الحالة البدنية أو العقلية لهؤلاء المسجونين أو المحتجزين، ويتنافى مع الصكوك الدولية ذات الصلة".
· "الشهادة، أو الاشتراك في الشهادة، بلياقة السجين أو المحتجز لأي شكل من أشكال المعاملة أو العقوبة قد يضر بصحته البدنية أو العقلية ويتنافى مع الصكوك الدولية ذات الصلة، أو الاشتراك بأية كيفية في تلك المعاملة أو في إنزال تلك العقوبة التي تتنافى مع الصكوك الدولية ذات الصلة".
· المشاركة "في أي إجراء لتقييد حركة سجين أو محتجز إلا إذا تقرر بمعايير طبية محضة أن هذا الإجراء ضروري لحماية الصحة البدنية أو العقلية للسجين أو المحتجز ذاته، أو زملائه السجناء أو المحتجزين، أو حراسه، وأنه لا يعرض للخطر صحته البدنية أو العقلية".
ويجب الاحتفاظ بسجلات لكل فحص طبي يجرى على المحتجز مع ضمان إمكانية الاطلاع على هذه السجلات.
10/2 ضمانات إضافية للأشخاص المحتجزين على ذمة قضاياتوفر المعايير الدولية ضمانات إضافية للأشخاص المحتجزين لاتهامهم بارتكاب مخالفة جنائية، والذين لم يقدموا بعد للمحاكمة.
فهي تنص على أن أي شخص يشتبه في ارتكابه لجريمة أو يتهم بارتكاب جريمة أو يقبض عليه أو يحتجز لصلته بارتكاب جريمة، ولم يحاكم بعد أو تقرر تقديمه للمحاكمة؛ يجب أن يعامل على أنه برئ (انظر الفصل 15 الخاص بمبدأ افتراض البراءة). ووفقاً لهذا المبدأ، تقضي المعايير الدولية بأن يعامل الأشخاص المحتجزين على ذمة قضية معاملة تختلف عن معاملة الأشخاص المدانين.
المعايير ذات الصلة
المبدأ 36(2)"… يحظر فرض قيود على هذا الشخص لا تقتضيها مطلقاً أغراض الاحتجاز أو دواعي منع عرقلة عملية التحقيق أو إقامة العدل أو حفظ الأمن وحسن النظام في مكان الاحتجاز."

وقد حددت المعايير الدولية أوضاعاً خاصةً لاحتجازهم قبل تقديمهم للمحاكمة، من بينها الحقوق التالية:
· أن يفصلوا عن الأشخاص المدانين والمحكوم عليهم بالسجن.
· أن يستعينوا بمترجم شفهي لإعداد دفاعهم.
· حق محدود في أن يستدعوا أطباءهم الخصوصيين، بما في ذلك أطباء الأسنان، على نفقتهم الخاصة.
· أن يرتدوا ملابسهم الخاصة إذا كانت نظيفة ومناسبة أو ملابس السجن إذا كانت مختلفة عن ملابس السجناء المدانين، وأن يمثلوا أمام المحكمة وهم يرتدون ملابس مدنية مهندمة.
· أن يشتروا الكتب والأدوات المكتبية والصحف، طالما اتفقت مع اعتبارات الأمن والنظام والعدالة.
10/3 المرأة المحتجزةيجب احتجاز النساء بمعزل عن الرجال وأن يخضعن لإشراف حارسات، فإما أن يوضعن في منشأة خاصة بهن، وإما أن يحتجزن في جناح منفصل تحت سلطة موظفات إذا كان السجن مشتركاً. ولا يجوز أن يدخل أي موظف من الرجال الجزء الخاص بهن من المنشأة دون أن تصحبه موظفة.
وقد أعربت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان عن قلقها بسبب العرف المتبع في الولايات المتحدة الذي يسمح "لحراس السجون من الرجال بدخول مراكز الاحتجاز المخصصة للنساء، مما أدى إلى تردد مزاعم خطيرة حول وقوع اعتداءات جنسية على النزيلات واقتحام لخصوصياتهن."
وعند استجواب أية محتجزة أو سجينة، يجب أن تحضر الاستجواب موظفة، وأن يعهد لها وحدها بإجراء أي تفتيش لجسد المحتجزة أو السجينة.
ويجب على الدولة أن توفر برامج لتدريب الموظفين القضائيين والمكلفين بإنفاذ القوانين وغيرهم من الموظفين العموميين على كيفية التعامل مع القضايا التي تمس المرأة.
كما يجب تزويد المؤسسات المخصصة لاحتجاز النساء بمرافق لتقديم الرعاية الطبية والعلاج للحوامل والمرضعات، على أن تتخذ، كلما أمكن، ترتيبات لتوليد الحوامل في مستشفيات خارج أسوار السجن.
ويجب أن يتفق علاج النساء المحتجزات والسجينات خلال فترة الحمل والأطفال مع الالتزام باحترام الكرامة المتأصلة في الإنسان بحكم انتمائه للجنس البشري، وحظر المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والقواعد التي تنظم استخدام القوة وتقييد الحركة.
المعايير ذات الصلة
المادة 10(2)(أ) من "العهد الدولي""يفصل الأشخاص المتهمون عن الأشخاص المدانين، إلا في ظروف الاستثنائية، ويكونون محل معاملة على حدة تتفق مع كونهم أشخاصاً غير مدانين."
القاعدة 84(2) من "القواعد النموذجية الدنيا""يفترض في المتهم أنه برئ ويعامل على هذا الأساس".

10/4 عدم التعرض للتعذيب أو سوء المعاملةلا يجوز تعريض أي شخص للتعذيب أو للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
وهذا الحق مطلق وغير قابل للانتقاص منه. وهو ينطبق على كل إنسان. ولا يجوز على الإطلاق تعليق العمل به حتى في أوقات الحرب أو التهديد بالحرب أو عدم الاستقرار السياسي أو حالات الطوارئ. انظر الفصل 31/3 الخاص بالحقوق التي لا يجوز قط تقييدها. ولا يجوز التعلل بأية ظروف لتبرير التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة
وهذا الحق شديد الأهمية للأشخاص المحرومين من الحرية.
وجميع الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين ممنوعين من إيقاع أي ضرب من ضروب التعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة على أي شخص أو التحريض على استخدامها أو التسامح إزاءها. ولا يجوز لهم تبرير ارتكاب هذه الأفعال بالتعلل بصدور الأوامر لهم من رؤسائهم. والحق أنهم ملزمون بموجب المعايير الدولية بمخالفة هذه الأوامر والإبلاغ عنها. واعتبار الشخص خطراً لا يسوغ تعريضه للتعذيب.
وحظر التعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، بما في ذلك الأفعال التي تتسبب في إلحاق معاناة عقلية وكذلك بدنية بالضحية.
كما أن العقوبات البدنية والحبس في زنازين مظلمة وجميع العقوبات القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة محظور تماماً استخدامها كعقوبات على المخالفات التأديبية. انظر أيضاً الفصل 25/4 الخاص بالعقوبات البدنية.
وقد نبهت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان على الدول بضرورة إخلاء جميع أماكن الاحتجاز من أية معدات يمكن أن تستخدم لممارسة التعذيب أو إساءة المعاملة.
المعايير ذات الصلة
المادة 5 من "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان""لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة."
المادة 7 من "العهد الدولي""لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة، وعلى وجه الخصوص، لا يجوز إجراء أية تجربة طبية أو علمية على أحد دون رضاه الحر."
المبدأ 6 من "مجموعة المبادئ""لا يجوز إخضاع أي شخص يتعرض لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن للتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. ولا يجوز الاحتجاج بأي ظرف كان كمبرر للتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة".

10/4/1 الحبس الانفرادي لمدة طويلةقالت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان إن الاحتجاز لفترات طويلة قيد الحبس الانفرادي قد يعادل حد انتهاك الحظر على التعذيب وسوء المعاملة المقرر في المادة 7 في "العهد الدولي". (انظر الفصل 4/1/1 الخاص بالاحتجاز بمعزل عن الاتصال بالعالم الخارجي.
وينص المبدأ 7 من "المبادئ الأساسية الخاصة بمعاملة السجناء" على ضرورة أن تسعى الدول إلى إلغاء الحبس الانفرادي كعقوبة أو لتقييد استخدامه.
وقالت اللجنة الأمريكية الدولية إن: "الحبس الانفرادي لفترات طويلة تدبير يعتبره القانون عقوبة قضائية، ومن ثم لا يوجد مبرر للإكثار من استخدامه كإجراء تأديبي."
10/4/2 استخدام القوةتقيد المعايير الدولية استخدام القوة من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين ضد المحتجزين. ولا يجوز أن يستخدم الموظفون المكلفون بإنفاذ القوانين القوة إلا عند الضرورة القصوى، وبأقل قدر تتطلبه ظروف الحالة. وفي جميع الأحوال يجب أن يمارسوا ضبط النفس ويتصرفوا وفقاً لخطورة الحالة والهدف المشروع المطلوب تحقيقه.
ولا يجوز استخدام القوة ضد المحتجزين إلا في حالة الضرورة القصوى من أجل الحفاظ على الأمن والنظام داخل المنشأة، أو عند محاولة الهرب، أو مقاومة تنفيذ أمر مشروع، أو وجود خطر يهدد سلامة الحراس. ولا يجوز استخدام القوة في أية حال ما لم يثبت أن استخدام الأساليب الأخرى غير العنيفة غير مجدٍ.
ولا يجوز استخدام الأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين إلا دفاعاً عن النفس ضد تهديد وشيك بالقتل أو التعرض لإصابة خطيرة أو لمنع ارتكاب جريمة تنطوي على تهديد خطير للحياة، أو للقبض على شخص يمثل خطراً أو لمنعه من الهرب، على ألا يتم ذلك إلا بعد أن يتضح أن الوسائل الأخرى الأقل خطراً غير كافية. ولا يجوز استخدام القوة المميتة عمداً إلا عندما يصبح تجنب استخدامها متعذراً من أجل حماية الأرواح.
10/4/3 الضغط البدني أثناء الاستجوابقالت لجنة مناهضة التعذيب إن استخدام "قدراً معتدلاً من الضغط البدني" واعتباره طريقة مشروعة لاستجواب المحتجزين أمر "غير مقبول كلية". وقضت بأنه لا يجوز، حتى في حالة الاعتقاد بأن المشتبه فيه يملك معلومات عن هجمات وشيكة ضد الدولة قد تزهق فيها أرواح، أن يستخدم معه هذا اللون من الضغوط لأنه ينتهك مبدأ حظر التعذيب والمعاملة السيئة. ومن هذه الوسائل: تقييد حركة الشخص في أوضاع مؤلمة، وتغمية عينيه، وتعريضه لموسيقى صاخبة لفترة طويلة، وحرمانه من النوم لفترة طويلة، وتهديده، بما في ذلك التهديد بالقتل، والهز بعنف، والتعريض للتيارات الهوائية الباردة. وأوصت لجنة مناهضة التعذيب بأن يتوقف ضباط الأمن الإسرائيليين "على الفور" عن استخدام هذه الوسائل في التحقيقات التي يجرونها. انظر الفصل 9 الخاص بالحقوق أثناء الاستجواب.
المعايير ذات الصلة
القاعدة 54(1) من "القواعد النموذجية الدنيا""لا يجوز لموظفي السجون أن يلجأوا إلى القوة، في علاقتهم مع المسجونين، إلا دفاعاً عن أنفسهم أو في حالات محاولة الفرار أو المقاومة الجسدية بالقوة أو بالامتناع السلبي لأمر يستند إلى القانون أو الأنظمة. وعلى الموظفين الذين يلجأون إلى القوة ألا يستخدموها إلا في أدنى الحدود الضرورية، وأن يقدموا فوراً تقريراً عن الحادث إلى مدير السجن."

10/4/4 استخدام القيودنظمت المعايير الدولية استخدام وسائل تقييد الحركة، بما في ذلك الأصفاد والسلاسل والأثقال الحديدية وقمصان التقييد، ضد المحتجزين والسجناء. وهي تعطي إدارة السجن المركزية سلطة اختيار نسق استخدام أدوات تقييد الحركة وكيفية استعمالها. ولا يجوز استخدام تقييد الحركة كأسلوب عقابي، كما لا يجوز استخدام السلاسل والأثقال الحديدية كوسائل للتقييد. وعند استخدام أدوات تقييد الحركة، يجب ألا تزيد فترة التقييد عن الحد الذي تدعو إليه الضرورة القصوى.
وينص المبدأ 5 من "مبادئ آداب مهنة الطب" على الآتي: "يمثل مخالفةً لآداب مهنة الطب أن يشترك الموظفون الصحيون، ولاسيما الأطباء، في أي إجراء لتقييد حركة سجين أو محتجز إلا إذا تقرر بمعايير طبية محضة أن هذا الإجراء ضروري لحماية الصحة البدنية أو العقلية أو السلامة للسجين أو المحتجز ذاته، أو زملائه السجناء أو المحتجزين أو حراسه، وأنه لا يعرض للخطر صحته البدنية أو العقلية."
ويجب إزالة القيود عن المحتجز أو السجين عند مثوله أمام السلطة القضائية أو السلطات الأخرى، لأن تقييده ربما يؤثر على مبدأ افتراض براءته.
10/4/5 التفتيش الذاتييجب أن تُجرى عمليات التفتيش الذاتي للسجناء أو المحتجزين على يد أشخاص من نفس الجنس وبأسلوب يحفظ للشخص الجاري تفتيشه كرامته.
10/4/6 التجارب الطبية والعلميةتحظر المعايير الدولية بشدة إجراء فحوص طبية أو علمية دون أن يوافق على إجرائها الشخص المعني بمحض إرادته. ويصبح هذا الحظر مطلقاً، بغض النظر عن موافقة المحتجز أو السجين المعني، إذا كان من الممكن لهذه التجربة أن تضر بصحته.
10/4/7 المخالفات التأديبيةلا يجوز معاقبة أي سجين داخل مؤسسة بعقوبة لم يكن منصوصاً عليها في القوانين أو اللوائح المطبقة عند ارتكاب المخالفة. ويجب أن يُخطر السجين بالمخالفة المزعومة، ويجب أن تجري السلطات المختصة تحقيقاً وافياً في الأمر ويجب أن يمنح السجين الفرصة للدفاع عن نفسه، بما في ذلك أن يوفر له مترجم شفهي، إذا كان الأمر يقتضي ذلك وله ضرورة عملية.
ومن حق المحتجز أو السجين أن يتظلم لدى سلطة أعلى من أي إجراء تأديبي يتخذ ضده لمراجعته.
تحظر المعايير تطبيق العقوبات التالية على المخالفات التأديبية: العقوبات الجماعية، العقوبات البدنية، الحبس في زنزانة مظلمة، جميع العقوبات الأخرى القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. (انظر أيضاً الفصل 25/4 الخاص بالعقوبة البدنية.)
10/4/8 الحق في جبر الأضرار لضحايا التعذيب أو سوء المعاملةيجب أن يكون لضحايا التعذيب وسوء المعاملة حق واجب التطبيق في جبر أضرارهم، بما في ذلك التعويض المالي. (مع ملاحظة أن نصوص المادة 11 من "إعلان مناهضة التعذيب" والمادة 14 من "اتفاقية مناهضة التعذيب". ومن بين صور جبر الأضرار ما يلي: رد الحقوق، والتعويض، وإعادة التأهيل/رد الاعتبار، والترضية، وضمان عدم التكرار.
المعايير ذات الصلة
القاعدة 33 من "القواعد النموذجية الدنيا""لا يجوز أبداً أن تستخدم أدوات تقييد الحرية، كالأغلال والسلاسل والأصفاد وثياب التكبيل كوسائل للعقاب. وبالإضافة إلى ذلك لا يجوز استخدام السلاسل أو الأصفاد كأدوات للتقييد الحرية. أما غير ذلك من أدوات تقييد الحرية فلا تستخدم إلا في الظروف التالية.(أ) كتدبير للاحتراز من هرب السجين خلال نقله، شريطة أن تُفك بمجرد مثوله أمام سلطة قضائية أو إدارية.(ب) لأسباب طبية، بناءً على توجيه الطبيب.(ج) بأمر من المدير، إذا أخفقت الوسائل الأخرى في كبح جناح السجين لمنعه من إلحاق الأذى بنفسه أو بغيره أو من تسبب خسائر مادية، وعلى المدير في مثل هذه الحالة أن يتشاور فوراً مع الطبيب وأن يبلغ الأمر إلى السلطة الإدارية العليا."


القسم (ب)حقوق المرء أثناء المحاكمة



الفصل الحادي عشر
الحق في المساواة أمام القانون والمحاكم
تنطوي ضمانات المساواة في سياق مراحل المحاكمة على جوانب عدة. فهي تحظر استخدام القوانين التمييزية، وتشمل حق كل فرد على السواء في اللجوء إلى المحاكم، وأن تعامل المحاكم جميع الأفراد على قدم المساواة.
11/1 الحق في المساواة أمام القانون11/2 الحق في المساواة أمام المحاكم 11/2/1 حق كل فرد على السواء في اللجوء إلى المحاكم 11/2/2 حق الفرد في أن يعامل على قدم المساواة مع الغير أمام المحاكم
11/1 الحق في المساواة أمام القانونالكل سواء أمام القانون، وهذا حق لكل إنسان.* ومعنى الحق في المساواة أمام القانون أن تخلو القوانين من التمييز، وأن يبتعد القضاة والموظفون عن تطبيق القانون على أي نحو يميز بين إنسان وآخر.
والحق في المساواة في التمتع بحماية القانون يحظر التمييز نصاً أو تطبيقاً في أي مجال تتولى السلطات العامة تنظيمه أو تحميه. ولكن هذا لا يعني أن أي اختلاف في المعاملة تمييز، فالتمييز قاصر على الحالات التي يكون فيها التفريق راجعاً إلى معايير تجافي المنطق أو بعيدة عن الموضوعية.
11/2 الحق في المساواة أمام المحاكمالمساواة هي حق لكل إنسان أمام المحاكم.** ويعني هذا المبدأ العام النابع من سيادة القانون في آن واحد أن لكل إنسان حقاً متساوياً في اللجوء إلى المحاكم، وأن تعامل المحاكم جميع الناس معاملة متساوية.
المعايير ذات الصلة
المادة 7 من "الإعلان العالمي""الناس جميعاً سواء أمام القانون، وهم يتساوون في حق التمتع بحماية القانون دونما تمييز، كما يتساوون في حق التمتع بالحماية من أي تمييز ينتهك هذا الإعلان ومن أي تحريض على مثل هذا التمييز."
المادة 2/1 من "العهد الدولي""تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد باحترام الحقوق المعترف بها فيه، وبكفالة هذه الحقوق لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها والداخلين في ولايتها، دون أي تمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي سياسياً أو غير سياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو النسب أو غير ذلك من الأسباب."
المادة 26 من "العهد الدولي""الناس جميعاً سواء أمام القانون ويتمتعون دون أي تمييز بحق متساو في التمتع بحمايته. وفي هذا الصدد يجب أن يحظر القانون أي تمييز وأن يكفل لجميع الأشخاص على السواء حماية فعالة من التمييز لأي سبب، كالعرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي سياسياً أو غير سياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة أو النسب، أو غير ذلك من الأسباب."
وقد أوضحت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان أن ضمانات المساواة الواردة في المادة 14(1) من "العهد الدولي" تقضي بأن "تضمن (الدول) تساوي الرجال والنساء في الحق في التمتع بجميع الحقوق المدنية والسياسية" المصونة في "العهد الدولي".
ورأت اللجنة المذكورة أن قانون بيرو الذي لا يسمح إلا للزوج بأن يمثل ممتلكات الأسرة أمام المحاكم ينتهك "العهد الدولي".
وقد حددت اللجنة المذكورة، بشأن حق الرعايا الأجانب في المساواة أمام المحاكم، أنه "بمجرد السماح للأجانب بدخول أراضي الدولة الطرف، يحق لهم التمتع بجميع الحقوق الواردة في ["العهد الدولي"]... ويعامل الأجانب على قدم المساواة أمام المحاكم بشتى أنواعها..." وهذا الحق منصوص عليه في المادة 5 من "الإعلان المتعلق بحقوق الإنسان للأفراد الذين ليسوا من مواطني البلد الذي يعيشون فيه."
11/2/1 حق كل فرد على السواء في اللجوء إلى المحاكملكل إنسان حق متساوٍ في اللجوء إلى المحاكم دون تمييز.
ولا يسمح في بعض البلدان للمرأة باللجوء للمحاكم على قدم المساواة مع الرجل، مما يعد انتهاكاً للمعايير الدولية، ومن بينها المواد 2 و3 و14 و26 من "العهد الدولي" والمادتان 2 و15 من "اتفاقية المرأة".
وقد أوضحت لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة ما يلي: "تحد بعض البلدان من حق المرأة في التقاضي من خلال القوانين المطبقة، وضيق المجال أمامها للحصول على استشارات قانونية، وعجزها عن التماس الإنصاف من المحاكم. كما أنه ليس لمركزها كشاهدة أو لشهادتها في بعض البلدان الأخرى نفس الاحترام والثقل الذي يتمتع به الرجل. وتحد هذه القوانين أو العادات من حق المرأة في أن ترعى بصورة فعالة ممتلكاتها أو أن تحتفظ بنصيبها منها، وتضعف من مكانتها كفرد مستقل ومسؤول له قيمته في مجتمعها."
انظر أيضاً الفصل 29 الخاص بالمحاكم الخاصة والعسكرية
11/2/2 حق الفرد في أن يعامل على قدم المساواة مع الغير أمام المحاكمإن لشرط المعاملة المتساوية من جانب المحاكم في القضايا الجنائية جانبين هامين، أولهما المبدأ الأساسي الذي يقضي بالمساواة في معاملة الدفاع والادعاء على نحو يضمن أن تتاح لكلا الطرفين فرصة متساوية في إعداد مرافعته والترافع خلال الإجراءات (انظر الفصل 13/2 الخاص "بالتساوي بين الادعاء والدفاع".
أما الجانب الثاني فهو أن لكل متهم الحق في أن يعامل على قدم المساواة مع غيره من المتهمين بارتكاب جرائم مماثلة دون أدنى تمييز بناءً على الأسس المحددة في المادة 2 من "العهد الدولي".*** وليس المقصود بالتساوي في المعاملة التطابق، بل أن تكون استجابة النظام القضائي متماثلة عندما تكون الحقائق الموضوعية متماثلة. ويُنتهك مبدأ المساواة عندما تصدر قرارات المحاكم أو القرارات الإدارية على أسس تمييزية.
المعايير ذات الصلة
المادة 14/1 من "العهد الدولي""الناس جميعا سواء أمام القضاء."
ومن النتائج المترتبة ضمناً على ذلك أن الشخص المتهم بارتكاب فعل جنائي، مثل تدمير منشأة، يجب أن يمنح نفس الضمانات سواء أكان ارتكابه لهذا الفعل قد تم في سياق "سياسي" أو "جنائي عادي". ومن النتائج الأخرى أن القوانين، التي تعطي ثقلاً مختلفاً لشهادات الشهود بناءً على أسس تمييزية، إذا كان الشاهد امرأة، تعد منتهكة للحق في المساواة في المعاملة أمام المحاكم.
وقد حدد إعلان وبرنامج عمل بكين من بين أهدافهما الاستراتيجية دعوة جميع الحكومات إلى ضمان المساواة وعدم التمييز بموجب القانون وفي التطبيق العملي، وذلك بجملة أمور، من بينها، رفض أي قانون يمييز بين الرجل والمرأة، وإزالة التمييز من نظم تطبيق العدالة.
المعايير ذات الصلة
المادة 10 من "الإعلان العالمي""لكل إنسان على قدم المساواة التامة مع الآخرين، الحق في أن تنظر قضيته محكمة مستقلة ومحايدة، نظراً منصفاً وعلنياً، للفصل في حقوقه والتزاماته وفي أية تهمة جزائية توجه إليه."



الفصل الثاني عشر
الحق في المحاكمة أمام محكمة مختصة مستقلة ونزيهة مُشكَّلة وفق أحكام القانون
من المبادئ والشروط الأساسية للمحاكمة العادلة أن تشكل المحكمة التي ستضطلع بمسؤولية نظر القضية والفصل فيها تشكيلاً قانونياً، وأن تكون مختصة بنظر القضية وتتوفر فيها الاستقلالية والحيدة.
12/1 الحق في المحاكمة أمام محكمة مختصة مستقلة محايدةإن الضمان المؤسسي الأول للمحاكمة العادلة ألا تصدر الأحكام عن مؤسسات سياسية، بل بواسطة محاكم مختصة مستقلة محايدة مُشكَّلة بحكم القانون. وحق الفرد في أن تنظر قضيته محكمة عندما يتهم بارتكاب فعل جنائي، مع توفير الضمانات اللازمة لتأمين العدالة، إنما هو أمر من صميم التطبيق الصحيح للقانون.
ولكل من يواجه محاكمة جنائية أو دعوى قضائية الحق في أن يحاكم أمام محكمة مختصة ومستقلة ومحايدة مشكلة بحكم القانون.*
كما أن الحق في المحاكمة أمام محكمة مستقلة ومحايدة أساسي حتى أن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان وصفته بأنه "حق مطلق لا يجوز أن يخضع لأية استثناءات".
ولا تجيز "الاتفاقية الأمريكية" تعليق الضمانات القضائية الأساسية لحماية حقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في وجود سلطة قضائية مختصة مستقلة ومحايدة، حتى إبان حالات الطوارئ.**
المعايير ذات الصلة
المادة 10 من "الإعلان العالمي""لكل إنسان، على قدم المساواة التامة مع الآخرين، الحق في أن تنظر قضيته محكمة مستقلة ومحايدة، نظراً منصفاً وعلنياً، للفصل في حقوقه والتزاماته وفي أية تهمة جزائية توجهه إليه."
المادة 14/1 من "العهد الدولي""الناس جميعاً سواء أمام القضاء. ومن حق كل فرد، لدى الفصل في أية تهمة جزائية توجه إليه أو في حقوقه والتزاماته في أية دعوى مدنية، أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية منشأة بحكم القانون."

ويتطلب الحق في المحاكمة أمام محكمة مختصة مستقلة محايدة مؤسسة بحكم القانون "عدم الاكتفاء بالحكم بالعدل، بل العمل على تحقيقه."
والمحكمة في تعريف الاتفاقية الأوروبية هي هيئة تمارس وظائف قضائية يحددها القانون للفصل في الأمور التي تقع في اختصاصها بناءً على القواعد القانونية، ووفقاً لإجراءات مقررة. انظر أيضاً القسم الخاص باستخدام المصطلحات.
12/2 الحق في أن تنظر الدعوى محكمة مشكلة بحكم القانونيجب أن تكون المحكمة التي تنظر أية قضية مشكلة بحكم القانون.*** ويجوز تأسيس هذه المحكمة وفق أحكام الدستور أو أي تشريع آخر تصدره السلطة المختصة بسن القوانين أو تشكل بموجب أحكام القانون العام.
والهدف من هذا الشرط الأساسي في القضايا الجنائية هو ضمان عدم محاكمة المتهمين في قضية ما أمام محكمة تشكل خصيصاً من أجل قضيتهم.****
12/3 الحق في أن تنظر الدعوى محكمة مختصةويستلزم الحق في نظر الدعوى أمام محكمة مختصة أن يكون للمحكمة ولاية قضائية على نظر القضية المطروحة أمامها.
والمقصود بالاختصاص هنا أن يمنحها القانون سلطة نظر الدعوى القضائية المقصودة، أي أن تكون لها ولاية على موضوع الدعوى والشخص المقامة ضده، على أن تجري المحاكمة في إطار حد زمني مناسب من الحدود المقررة في القانون.
12/4 الحق في أن تنظر الدعوى محكمة مستقلةاستقلالية المحكمة ركن جوهري لازم لعدالة المحاكمة. والمقصود بهذا أن يصدر الحكم في أية قضية مطروحة أمامها في إطار من الحيدة، وعلى أساس الوقائع، وطبقاً لأحكام القانون، دون أي تدخل أو ضغوط أو تأثير غير مناسب من أي سلطة أخرى حكومية أو غير حكومية. كما أن الاستقلالية تعني أن يكون المعيار الأول في اختيار الأشخاص الذين يتولون مناصب القضاء هو خبرتهم القانونية.
والعوامل المؤثرة على حيدة القضاء مفصلة بعض الشيء في "المبادئ الأساسية المتعلقة باستقلال السلطة القضائية". ومن بينها مبدأ الفصل بين السلطات الذي يحمي القضاء من التعرض لمؤثرات أو تدخلات خارجية غير مناسبة، والضمانات العملية للاستقلال مثل الكفاءة المهنية وعدم جواز عزل القضاة.
المعايير ذات الصلة
المبدأ 5 من "المبادئ الأساسية المتعلقة باستقلال السلطة القضائية"."لكل فرد الحق في أن يحاكم أمام المحاكم العادية أو الهيئات القضائية التي تطبق الإجراءات القانونية المقررة. ولا يجوز إنشاء هيئات قضائية. لا تطبق الإجراءات القانونية المقررة حسب الأصول والخاصة بالتدابير القضائية، لتنتزع الولاية القضائية التي تتمتع بها المحاكم العادية أو الهيئات القضائية."

12/4/1 الفصل بين السلطاتتستمد المحاكم استقلالها من مبدأ الفصل بين السلطات المطبق في المجتمعات الديمقراطية.6 ومعنى هذا أن يكون لكل جهاز من أجهزة الدولة مسؤوليات محددة يختص بها وحده دون غيره. ومن ثم يجب أن تكون للقضاء كمؤسسة، والقضاة كأفراد، السلطة الوحيدة للفصل في الدعوى المطروحة في ساحات المحاكم.
ولا يجب أن يخضع القضاة، كهيئة وكأفراد، لأي تدخل سواء من جانب الدولة أو من الأشخاص العاديين. ويجب أن تضمن الدولة هذا الاستقلال المكفول بأن تنص عليه قوانينها، وبأن تحترمه جميع المؤسسات الحكومية. وينبغي أن تضمن الدول وجود ضمانات هيكلية ووظيفية ضد أي تدخل سياسي أو غير سياسي في تطبيق العدالة.*+
واستقلال القضاء يستلزم أن تكون له وحده دون غيره الولاية على نظر جميع الدعاوى ذات الطبيعة القضائية. ومعنى هذا أنه لا يجوز لأية سلطة غير قضائية أن تغير من حكم المحكمة على نحو يضر بأحد الأطراف، إلا فيما يتصل بالتماسات التخفيف والعفو.*++
ويقتضي استقلال القضاء أيضاً أن يكون الموظفون المسؤولون عن تطبيق العدالة مستقلين استقلالاً تاماً عن المسؤولين عن الملاحقة القضائية.*^
ومع هذا، تعمد الدول، بين الحين والحين، إلى التدخل بصورة مباشرة.
المعايير ذات الصلة
المبدأ 2 من "المبادئ الأساسية المتعلقة باستقلال السلطة القضائية"."تفصل السلطة القضائية في المسائل المعروضة عليها دون تحيز، على أساس الوقائع ووفقاً للقانون، ودون أية تقييدات أو تأثيرات غير سليمة، أو أية إغراءات أو ضغوط أو تهديدات أو تدخلات مباشرة كانت أو غير مباشرة، من أي جهة أو لأي سبب."
المبدأ 1 من "المبادئ الأساسية المتعلقة باستقلال السلطة القضائية"."تكفل الدولة استقلال السلطة القضائية وينص عليه دستور البلد أو قوانينه، ومن واجب جميع المؤسسات الحكومية وغيرها من المؤسسات احترام ومراعاة استقلال السلطة القضائية.
المبدأ 3 من "المبادئ الأساسية المتعلقة باستقلال السلطة القضائية"."تكون للسلطة القضائية الولاية على جميع المسائل ذات الطابع القضائي، كما تنفرد بسلطة البت فيما إذا كانت أية مسألة معروضة عليها للفصل فيها تدخل في نطاق اهتمامها حسب التعريف الوارد في القانون."
المبدأ 4 من "المبادئ الأساسية المتعلقة باستقلال السلطة القضائية"."لا يجوز أن تحدث أية تدخلات غير لائقة، أو لا مبرر لها، في الإجراءات القضائية، ولا تخضع الأحكام القضائية التي تصدرها المحاكم لإعادة النظر. ولا يخل هذا المبدأ بإعادة النظر القضائية أو بقيام السلطات المختصة، وفقاً للقانون، بتخفيف أو تعديل الأحكام التي تصدرها السلطة القضائية.
المبدأ 10 من "المبادئ التوجيهية بشأن أعضاء النيابة العامة""تكون مناصب أعضاء النيابة العامة منفصلة تماماً عن الوظائف القضائية".

ومن ذلك أن اللجنة الأفريقية قد اعتبرت المرسومين اللذين أصدرتهما الحكومة النيجيرية، لتجريد المحاكم ولايتها على نظر الطعون المقدمة ضد المراسيم والإجراءات الحكومية، ضرباً من الانتهاك للضمانات المكفولة بحكم المادة 7 من "الميثاق الأفريقي" الخاصة بالحق في نظر القضايا، وبحكم المادة 26 الخاصة باستقلالية المحاكم. وقالت اللجنة "إن اعتداء من هذا القبيل على ولاية المحاكم مثير بشدة للاستياء، لأنه، وهو في حد ذاته انتهاك لحقوق الإنسان، يسمح بوقوع انتهاكات أخرى دون تقويم."
أما اللجنة الأمريكية الدولية فقد انتقدت تقاعس الدول عن احترام ضمانات استقلال المحاكم. وكان من بين الأمور التي كانت محلاً لمؤاخذتها ما يتعرض له القضاة الذين يصدرون أحكاماً لا تتفق مع مصالح الحكومات من نقل أو عزل من مناصبهم، وتعيين السلطة التنفيذية للقضاة، وامتثال القضاة لأوامر السلطة التنفيذية. ففي شيلي، انتقدت اللجنة المذكورة بشدة تقاعس القضاء عن ممارسة سلطته والتحقيق في الشكاوى المتصلة بانتهاكات حقوق الإنسان، وفي بيرو، انتقدت اللجنة أيضاً نظام السرية المفروض على هوية القضاة في محاكمات الأشخاص المتهمين بارتكاب جرائم إرهابية. (انظر أيضاً الفصل 14/4 الخاص بانتهاكات الحق في النظر العلني للدعاوى القضائية).
وفي بعض البلدان الأخرى، يقصر تشكيل السلطة القضائية عن الوفاء بالشروط اللازمة للفصل بين السلطات (انظر أيضاً الفصل 29 الخاص بالمحاكم الخاصة والمحاكم العسكرية).
وقد رأت اللجنة الأمريكية الدولية أن المحاكم الجنائية الخاصة في نيكاراغوا، المُشكَّلة من أعضاء الميليشيات وضباط الاحتياط وغيرهم من مؤيدي الحزب السياسي الحاكم، تنتهك الحق في استقلالية القضاء وحيدته.
وانتهت اللجنة الأمريكية الدولية إلى أن المحاكم العسكرية في كولومبيا وشيلي تفتقر إلى الاستقلالية.
وكان السؤال الحاسم الذي تعتمد عليه اللجنة الأوروبية والمحكمة الأوروبية في البت في مدى استقلالية أية محكمة هو هل يخضع قضاتها المسؤولين عن إصدار الأحكام لأوامر فروع السلطة التنفيذية أم لا؟
وقد نظرت اللجنة الأوروبية حالة إحدى المحاكم العسكرية، ورأت أنها مستقلة لأن القضاة، وهم ضباط عاملون بالقوات المسلحة، ومن ثم يخضعون لسلطة رؤسائهم الأعلى منهم رتبة في المهام العسكرية، لم يكونوا خاضعين للمساءلة أمام رؤسائهم فيما يتصل بكيفية أدائهم لوظائفهم كقضاة يطبقون العدالة.
ومع هذا، فقد رأت المحكمة الأوروبية أن مجلس الشرطة البلدي، الذي حكم بغرامة على طالب بسبب اشتراكه في مظاهرة خرجت دون تصريح رسمي، لا يتمتع ـ فيما يبدو ـ بقدر كافٍ من الاستقلالية يفي بالشروط المحددة في المادة 6(1) من الاتفاقية الأوروبية. فعلى الرغم من أن ضابط الشرطة الذي كان يترأس المجلس المذكور كان غير خاضع للمساءلة عن الأحكام التي يصدرها طوال فترة رئاسته للمجلس، لكن الاحتمال قائم بعودته إلى أداء وظائفه كضابط للشرطة بعد انتهاء فترة الرئاسة للمجلس المذكور. ورأت المحكمة أن المواطن العادي سوف ينظر إلى رئيس المجلس بصفته ضابطاً من ضباط قوة الشرطة يخضع لرؤسائه ويشعر بالولاء نحو زملائه.
12/4/2 تعيين القضاة والشروط الواجب توافرها فيهمللحفاظ على استقلالية القضاء ومراعاة اختصاصات المحاكم، وضِعت معايير دولية لاختيار القضاة والشروط الواجب توافرها فيهم. والكثير منها مفصل في "المبادئ الأساسية المتعلقة باستقلال السلطة القضائية".
وتتطلب حماية استقلال السلطة القضائية اختيار القضاة على أساس مؤهلاتهم في دراسة القانون وخبرتهم في ممارسته. ويجب تجنب اختيار أي شخص ليشغل منصباً قضائياً تحت تأثير "دوافع غير سليمة"، ومن الضروري أن يكون القاضي حاصلاً على مؤهلات مناسبة,*^^ وأن يكون المعول في اختياره قائماً على معايير موضوعية، خاصةً الكفاءة والنزاهة والخبرة.*#
ويجب أن توفر الدولة الموارد الكافية لتمكين القضاة من تأدية وظائفهم، وأن تكفل لهم رواتب ومعاشات كافية. كما يجب أن يضمن القانون لهم تمضية المدد المقررة لتوليهم وظائفهم، ويحدد شروط الخدمة وسن التقاعد.*##
وقد أعربت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان عن قلقها بشأن الآثار، التي قد تنشأ من نظام انتخاب القضاة المطبق في بعض الولايات الأمريكية، على تفعيل الحقوق المنصوص عليها بموجب المادة 14 من "العهد الدولي". وقد أوصت بأن تتولى هيئة مستقلة تعيينهم بناءً على كفاءتهم. كذلك، فقد أعربت اللجنة عن قلقها لأن "العدالة في الكثير من المناطق الريفية يتولى شأنها أشخاص غير مؤهلين أو مدربين."
وأعربت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان عن قلقها بشأن القضاء في السودان لأنه يفتقر للاستقلال في الجوهر والمخبر على السواء. ووجدت أن المعول الأول في اختيار الكثير من القضاة لم يكن مؤهلاتهم القانونية. كما أعربت اللجنة عن قلقها سبب قلة عدد الوظائف القضائية التي يشغلها غير المسلمين أو النساء، ولأن القضاة يخضعون للضغط من جانب هيئة مشرفة تهيمن عليها الحكومة.
ولضمان استقلال القضاء، ينبغي تأمين القضاة من العزل، كما ينبغي ألا يساور القاضي أي شعور بالقلق من أن يعزل من منصبه بسبب أي رد فعل سياسي لأحكامه. وسواء أكان القاضي معيناً أم منتخباً، فينبغي له أن يضمن الاستمرار في شغل منصبه إلى حين وصوله إلى سن التقاعد الإلزامي، أو إلى حين انتهاء المدة المقررة لشغل المنصب الذي يحتله، إذا كان يشغل منصباً موقوتاً بفترة معينة. ولا يجوز وقف القاضي عن العمل أو عزله من منصبه، إلا إذا بات عاجزاً عن القيام بواجبات عمله، أو إذا أتى بسلوك لا يليق بالمنصب الذي يشغله.(*)
المعايير ذات الصلة
المبدأ 10 من "المبادئ الأساسية المتعلقة باستقلال السلطة القضائية"."يتعين أن يكون من يقع عليهم الاختيار لشغل الوظائف القضائية أفراداً من ذوي النزاهة والكفاءة، وحاصلين على تدريب أو مؤهلات مناسبة في القانون. ويجب أن تشتمل أي طريقة لاختيار القضاة على ضمانات ضد التعيين في المناصب القضائية بدوافع غير سليمة، ولا يجوز عند اختيار القضاة، أن يتعرض أي شخص للتمييز على أساس العنصر أو اللون أو الجنس أو الدين أو السياسة أو غيرها من الآراء، أو المنشأ القومي أو الاجتماعي، أو الملكية أو الميلاد أو المركز، على أنه لا يعتبر من قبيل التمييز أن يشترط في المرشح لوظائف قضائية أن يكون من رعايا البلد المعني."
المبدأ 11 من "المبادئ الأساسية المتعلقة باستقلال السلطة القضائية"."يضمن القانون للقضاة بشكل مناسب تمضية المدة المقررة لتوليهم وظائفهم، واستقلالهم وأمنهم، وحصولهم على أجر ملائم، وشروط خدمتهم ومعاشهم التقاعدي وسن تقاعدهم.

ويجوز إخضاع القضاة لإجراءات تأديبية ومعاقبتهم على أي تجاوز يرتكبونه، ومن بين تلك العقوبات الوقف عن العمل والعزل من الوظيفة. ويجوز مطالبة الدولة أيضاً بأن تدفع تعويضاً عن أي تجاوز في تطبيق العدالة. ومع هذان فينبغي أن يتمتع القضاة بحصانة شخصية ضد رفع الدعاوى المدنية عليهم لمطالبتهم بالتعويض عن أي تصرفات غير لائقة، أو تقصير في أداء وظائفهم القضائية. ويجب أن يُنظر على وجه السرعة في الشكاوى المقدمة ضد القضاة بصفاتهم القضائية في إطار إجراءات فحص منصفة.(**)
وقد أعربت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان عن قلقها بشأن القضاة في بيلاروس (روسيا البيضاء) لأن من سلطة رئيس الجمهورية أن يعزلهم دون أية ضمانات تحول دون إساءة استغلال هذه السلطة. وأشارت إلى وجود مزاعم حول قيام رئيس الجمهورية بعزل قاضيين لأنهما تقاعسا عن تطبيق أمر أصدرته السلطة التنفيذية بفرض وتحصيل غرامة. وأعربت اللجنة عن رأيها في الإجراءات المتبعة في بيلاروس بشأن المدد المقررة لشغل المناصب القضائية وتأديب القضاة وعزلهم من مناصبهم، وقالت إن هذه الإجراءات لا تتفق مع مبدأ استقلال وحيدة القضاء.
12/4/3 توزيع الدعاوى على قضاة المحكمةتوزيع ملفات الدعاوى على القضاة في أية محكمة يمارسون فيها عملهم شأن داخلي من شؤون المحكمة.(***)
وحيثما كان من الممكن أن تخضع قضية واحدة للولاية القضائية لأكثر من محكمة، فينبغي أن تتولى السلطة القضائية تحديد المحكمة التي ستنظرها، وتعتمد في قرارها على عوامل موضوعية.
12/5 الحق في أن تنظر الدعوى محكمة محايدةيجب أن تتحلى المحكمة بالحيدة، وهذا المبدأ الذي ينطبق على كل قضية يتطلب أن تتوفر النزاهة في كل المسؤولين عن اتخاذ الأحكام، سواء أكانوا من القضاة الرسميين أو الموظفين القائمين بأعمال القضاء أو المحلفين.
والنزاهة الحقيقية مطلوبة في الجوهر والمخبر على السواء كشرط أساسي للحفاظ على الاحترام لنظام تطبيق العدالة.
ويتطلب الحق في المحاكمة أمام محكمة عادلة ألا تكون لدى القضاة أو المحلفين أية مصلحة أو ضلع في القضية المعروضة أمامه أو أية أفكار مسبقة بشأنها.
وعلى القضاة أن يحرصوا على التأكد من الإجراءات القضائية قد طبقت على نحو منصف وأن حقوق جميع الأطراف محترمة.(+)
وقد قالت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان إن الحيدة "تعني ألا يكون للقاضي أية تصورات مسبقة حول الأمر المعروض عليه، وأنه لا يجب أن يتصرف بطريقة تعزز مصالح أحد الأطراف دون الأطراف الأخرى."
ورأت المحكمة الأوروبية أن القضاة يجب ألا "يُكوِّنوا آراءً مسبقة حول حيثيات أية قضية."
ويجب أن يكون البت في الوقائع قائماً على الأدلة والقرائن وحدها فحسب، وأن تكيف الوقائع حسب القوانين المعمول بها دون أدنى تدخل أو قيد أو تحريض أو ضغط أو تهديد من أي جانب آخر.(++)
ويجب أن يسلك القضاة سلوكاً يحفظ للسلطة القضائية حيدتها واستقلالها، وكذلك يصون كرامة مناصبهم.(+++)
المعايير ذات الصلة
المبدأ 18 من "المبادئ الأساسية المتعلقة باستقلال السلطة القضائية"."لا يكون القضاة عرضة للإيقاف أو للعزل إلا لدواعي عدم القدرة أو دواعي السلوك التي تجعلهم غير لائقين لأداء مهامهم."
المبدأ 19 من "المبادئ الأساسية المتعلقة باستقلال السلطة القضائية"."تحدد جميع الإجراءات التأديبية أو إجراءات الإيقاف أو العزل وفقاً للمعايير المعمول بها للسلوك القضائي."
المبدأ 20 من "المبادئ الأساسية المتعلقة باستقلال السلطة القضائية"."ينبغي أن تكون القرارات الصادرة بشأن الإجراءات التأديبية أو إجراءات الإيقاف أو العزل قابلة لإعادة النظر من جانب جهة مستقلة، ولا ينطبق ذلك على القرارات التي تصدرها المحكمة العليا إلى السلطة التشريعية بشأن قضايا الاتهام الجنائي أو ما يماثلها."

12/5/1 الطعن في حيدة المحكمةيجيز القانون الطعن في حيدة المحاكم في سياقات مختلفة، من بينها، أن يكون القاضي الذي سيصدر الحكم في الدعوى قد شارك في مراحل أخرى من الإجراءات القضائية بصفة مغايرة، أو عندما تكون له مصلحة شخصية في الدعوى، أو يكون منتمياً بصلة القرابة لأحد أطراف الدعوى.
وتطبق اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، والهيئات الإقليمية، اختبارين على الطعون المقدمة لديها بشأن حيدة المحاكم، أحدهما موضوعي، ويبحث فيما إذا كان القاضي قد وفر ضمانات إجرائية كافية لاستبعاد أي شكل مشروع حول نزاهته. أما الثاني، فهو ذاتي، وتبحث فيه عما إذا كان القاضي يكن أية تحيزات شخصية. ويتضح لنا من هذا أن مخبر الحيدة مهم مثل جوهرها، ولكن يُفترض، بوجه عام، أن القضاة ليست لديهم أهواء شخصية تؤثر على حيدة قرارهم، ما لم يقدم أحد الأطراف الدليل على العكس، وذلك في العادة في سياق الإجراءات المنصوص عليها في القانون الوطني.
وقالت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان إن على المحاكم الوطنية أن تفحص الأسباب التي يمكن الاستناد إليها لتنحية القاضي لعدم الصلاحية، حيثما نص القانون عليها، وأن تستبدل أي قاضٍ تنطبق عليه المعايير المحددة في هذا الشأن.
ورأت اللجنة الأفريقية أن تأسيس محكمة خاصة مؤلفة من قاض واحدٍ وأربعة أعضاء من ضباط القوات المسلحة، وتخويلها سلطة مطلقة لمحاكمة المتهمين بإثارة الاضطرابات المدنية، والفصل في تلك الدعاوى وإصدار الأحكام ـ يُعدّ انتهاكاً للمادة 7(1)(د) من "الميثاق الأفريقي". وقالت اللجنة "إنه بغض النظر عن شخصية أعضاء هذه المحاكم، فإن تشكيلها في حد ذاتها يوحي في الظاهر بعدم الحيدة إن لم يجسدها في الواقع."
ولكن المحكمة الأوروبية لم تجد في الحالات التالية أية شبهة لعدم الحيدة:
· اشتراك قاضي المحكمة في مراحل سابقة من إجراءات الدعوى، كان من بينها البت في أمر احتجاز (المتهم) على ذمة القضية. وقالت المحكمة "إن إصدار القاضي لقرارات (تمس المتهم) قبل المحاكمة، من بينها الأمر باحتجازه على ذمة القضية إنما هو أمر لا يكفي وحده لتبرير الخشية من عدم التزامه بالحيدة، فالمعول هنا هو مدى وطبيعة هذه القرارات."
· كان رئيس المحكمة التي تولت محاكمة المتهم قد قرر بناءً على ملف الدعوى وجود أدلة واضحة تبرر تقديم المتهم للمحاكمة. وقد وجدت المحكمة الأوروبية أن معرفة القاضي المفصلة بالدعوى من واقع دوره، الذي شارك به في المراحل المبدئية، لا يعني أنه منحاز بأية طريقة تحول بينه وبين الالتزام بالحيدة في أن ينظر القضية في طور المحاكمة
ومع هذا فقد وجدت المحكمة الأوروبية في الحالات التالية مجافاة للحيدة:
· كان قاضي محكمة الاستئناف، الذي يتمتع بسلطات واسعة، يشغل كذلك مركزاً مؤثراً في النيابة العامة في السابق، وقد رأت المحكمة الأوروبية أن حيدة المحكمة "يمكن أن تبدو موضع شك." ومع هذا، فقد نوهت المحكمة الأوروبية بأن عمل القاضي في النيابة العامة ليس بعامل حاسم في حد ذاته أو من تلقاء ذاته.
· كان قاضي التحقيق قد أمر باحتجاز المتهم قبل محاكمته وتولى استجوابه في عدد من المناسبات أثناء التحقيق معه، ثم عين فيما بعد قاضياً في المحكمة، وتولى بهذه الصفة محاكمة المتهم في نفس الدعوى.
المعايير ذات الصلة
المادة 7(1)(د) من "الميثاق الأفريقي""حق التقاضي مكفول للجميع، وأن يشمل هذا الحق: ...حق محاكمته (المتهم) خلال فترة معقولة وبواسطة محكمة محايدة."


الفصل الثالث عشر
الحق في النظر المنصف للقضايا
يشمل الحق في النظر المنصف للقضايا جميع الإجراءات والضمانات الخاصة بالمحاكمة العادلة المحددة في المعايير الدولية، ولكن مداه أوسع نطاقاً. ويشمل هذا الحق الامتثال للمعايير الوطنية شريطة أن تتفق مع المعايير الدولية. وربما تفي المحاكمة بجميع الضمانات الإجرائية الوطنية والدولية، ومع هذا فقد لا تفي بمعيار النظر المنصف.
13/1 الحق في النظر المنصف للقضايا13/2 المساواة بين الدفاع والادعاء
13/1 الحق في النظر المنصف للقضايايكمن الحق في النظر المنصف للقضايا في صميم مفهوم المحاكمة العادلة، ومن ثم، فمن حق كل إنسان أن تُنظر قضاياه بعين الإنصاف.*
الحق في النظر المنصف للدعوى القضائية منصوص عليه في عدد من الحقوق المحددة، مثل الحق في افتراض البراءة، والحق في المحاكمة دون إبطاء لا ضرورة له، والحق في إعداد الدفاع، وحق المرء في أن يدافع عن نفسه بشخصه أو عن طريق محام، والحق في استدعاء الشهود واستجوابهم، والحق في الحماية من تطبيق القوانين بأثر رجعي. ومع هذا، فالمعايير الدولية التي تحكم إجراء المحاكمات توضح أن الحقوق المذكورة تمثل الحد "الأدنى" من الضمانات الواجب توافرها. ومراعاة كل ضمان منها، في جميع الظروف والحالات، من شأنه أن يكفل النظر المنصف للدعوى. ولكن الحق في المحاكمة العادلة أوسع من مجموع الضمانات الفردية، ويتوقف على الطريقة التي أديرت بها المحكمة بأكملها.
وقد أوضحت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان أن النظر المنصف للدعوى يتطلب عدداً من الشروط، من بينها، معاملة الدفاع والادعاء على قدم المساواة (انظر ما يلي)، واحترام مبدأ الحق في رفع دعاوى الاختصام وسرعة التقاضي.
وقد انتهت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان إلى أن الحق في النظر المنصف قد تعرض لانتهاك عام، وذلك في حالة تعرض فيها ثمانية من الخصوم السياسيين للرئيس الزائيري السابق موبوتو سيسي سيكو لأحكام بالسجن لمدد طويلة، بعد محاكمات لم تتوفر فيها الضمانات الإجرائية. وكان هؤلاء المتهمون، وكلهم سبق أن نفوا إلى الخارج أو فرضت عليهم الإقامة الجبرية في المنازل في عام 1981، قد قبض عليهم من جديد وقدموا للمحاكمة - فيما بعد - أمام محكمة أمن الدولة بتهمة التآمر على قلب نظام الحكم. ولم يُستدع المتهمون إلى المحكمة، ولم يستجوب ثلاثة منهم في المراحل السابقة على المحاكمة، وقد أرغموا هم وأسرهم على تغيير محل إقامتهم بموجب "تدبير إداري خاص". وانتهت اللجنة إلى جملة نتائج، كان من بينها، أنهم تعرضوا للاحتجاز تعسفاً، وأنهم حرموا من نظر منصف علني لدعواهم بسبب آرائهم (المعارضة)".
المعايير ذات الصلة
المادة 14(1) من "العهد الدولي""... من حق كل فرد، لدى الفصل في أية تهمة جزائية توجه إليه أو في حقوقه والتزاماته في أية دعوى مدنية، أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية، منشأة بحكم القانون."

13/2 المساواة بين الدفاع والادعاءمن بين المعايير الأساسية للنظر المنصف للدعاوى مبدأ تكافؤ الفرص بين طرفي الدعوى. وهذا المبدأ، الذي يجب مراعاته في جميع مراحل الدعوى، يعني أن يعاملا على قدم المساواة من الناحية الإجرائية على مدار المحاكمة، وأن لكل منهما حق متساو في عرض حججه، أي أن تتاح لكل منهما فرصة معقولة لعرض دعواه في ظل أوضاع لا تضع أي منهما في موقف ضعيف.
وفي الدعاوى الجنائية، حيث يجد الادعاء أجهزة الدولة كلها وراءه، يغدو مبدأ تكافؤ الفرص بين الدفاع والادعاء ضماناً هاماً لحق المتهم في الدفاع عن نفسه، كما أنه يضمن أن تتوفر للدفاع فرصة معقولة لإعداد وتقديم مرافعته في الدعوى على قدم المساواة من الادعاء. وتشمل الشروط الأساسية لتطبيقه الحق في الحصول على وقت كافٍ، وتسهيلات مناسبة لإعداد الدفاع، ومنها أن يفصح الادعاء عن جميع المعلومات المادية المتعلقة بالقضية. ومن ضمنها أيضاً الاستعانة بمحام والحق في استدعاء الشهود واستجوابهم، وحق المتهم في حضور محاكمته، وقد يتعرض هذا الحق للانتهاك بوسائل شتى، كأن لا تتاح الفرصة للمتهم للاطلاع على المعلومات اللازمة لإعداد دفاعه بحرمانه من استدعاء خبير للشهادة، أو باستبعاده من حضور جلسة استئناف يكون الادعاء حاضراً فيها.
انظر أيضاً الفصل 8 الخاص بالحق في الحصول على وقت كافٍ وتسهيلات مناسبة لإعداد الدفاع.

الفصل الرابع عشر
الحق في النظر العلني للقضايا
الحق في النظر العلني للقضايا ضمان أساسي لعدالة واستقلالية التقاضي، وهو وسيلة لحماية الثقة العامة في نظام العدالة.
14/1 الحق في النظر العلني للقضايا14/2 الشروط الأساسية للنظر العلني14/3 الاستثناءات الجائزة في النظر العلني14/4 انتهاك الحق في النظر العلني
14/1 الحق في النظر العلني للقضايايجب أن تعقد المحاكم جميع جلساتها وتصدر أحكامها في إطار من العلانية، فيما عدا بعض الحالات الاستثنائية القليلة المحددة بدقة.* كما أن الحق في النظر العلني للدعاوى "الجنائية" مكفول أيضاً في المعايير الدولية.**
ولا يعني الحق في علانية المحاكمة أن يحضر أطراف الدعوى الجلسات فحسب، بل أن تكون الجلسات مفتوحة أمام الجمهور العام كذلك. فللجمهور الحق في أن يعرف كيف تدار العدالة والأحكام التي ينتهي إليها النظام القضائي.
ويعتمد المراقبون المعنيون برصد المحاكمات على الحق في المحاكمة العلنية لأداء عملهم، وحقهم في "حضور الجلسات العامة، والإجراءات والمحاكمات، وتكوين رأي عن تقيدها بالقانون الوطني وبالتعهدات والالتزامات الدولية المنطبقة"، فهذا الحق مكفول صراحة ضمن "مسودة الإعلان الخاص بالمدافعين عن حقوق الإنسان" الذي اعتمدته الأمم المتحدة من خلال الجمعية العامة في عام 1998 .
المعايير ذات الصلة
المادة 10 من "الإعلان العالمي""لكل إنسان، على قدم المساواة التامة مع الآخرين، الحق في أن تنظر قضيته محكمة مستقلة ومحايدة، نظراً منصفاً وعلنياً، للفصل في حقوقه والتزاماته وفي أية تهمة جزائية توجه إليه."
المادة 14(1) من العهد الدولي"الناس جميعاً سواء أمام القضاء. ومن حق كل فرد، لدى الفصل في أية تهمة جزائية توجه إليه أو في حقوقه والتزاماته في أية دعوى مدنية، أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية، منشأة بحكم القانون. ويجوز منع الصحافة والجمهور من حضور المحاكمة كلها أو بعضها لدواعي الآداب العامة أو النظام العام أو الأمن القومي في مجتمع ديمقراطي، أو لمقتضيات حرمة الحياة الخاصة لأطراف الدعوى، أو في أدنى الحدود التي تراها المحكمة ضرورية حين يكون من شأن العلنية في بعض الظروف الاستثنائية أن تخل بمصلحة العدالة، إلا أن أي حكم في قضية جزائية أو دعوى مدنية يجب أن يصدر بصورة علنية، إلا إذا كان الأمر يتصل بأحداث تقتضي مصلحتهم خلاف ذلك أو كانت الدعوى تتناول خلافات بين زوجين أو تتعلق بالوصاية على أطفال."

14/2 الشروط الأساسية للنظر العلنيتقتضي علانية المحاكمة إجراء جلسة شفوية للادعاء والمرافعة في حضور الجمهور، بما في ذلك الصحافة، وفقاً لموضوع القضية. ويجب أن تعلن المحاكمة عن موعد ومكان جلسات المرافعة للجمهور العام، وأن توفر التسهيلات اللازمة، في الحدود المعقولة، لحضور الأفراد المعنيين من الجمهور تلك الجلسات.
ويجب إجراء جميع الدعاوى الجنائية والمدنية في جلسات علنية بخلاف بعض الاستثناءات القليلة (انظر الفصل 34 الخاص بالأحكام).
والمعول في تحديد علانية وسرية الدعوى هو طبيعة الاتهام (انظر الفصل 24 الخاص بالحق في حضور المحاكمة).
وقد أوضحت المحكمة الأوروبية واللجنة الأوروبية أن محكمة واحدة ـ على الأقل ـ يجب أن تعالج حيثيات القضية علانية، ما لم تكن الدعوى تندرج تحت بند الاستثناءات الجائزة. وخلصت المحكمة المذكورة إلى أنه حيثما أجريت جلسة شفوية لحيثيات الدعوى في محكمة دنيا، فلا يشترط أن يتم نظرها في مرحلة الاستئناف شفاهةً أو علناً. ومع هذا، فقد ينشأ الحق في إجراء جلسة شفوية في هذه المرحلة عندما يكون من شأن دعوى الاستئناف أن تثير قضايا حول وقائع الدعوى أو نصوص القانون.
14/3 الاستثناءات الجائزة في النظر العلنييجوز تقييد حق الجمهور العام في حضور جلسات الدعوى في بعض الحالات المحددة بدقة.
والأسباب التي يجوز من أجلها استبعاد الصحافة والجمهور العام من حضور جميع جلسات الدعوى أو بعض الجلسات واحدة في كل من "العهد الدولي" و"الاتفاقية الأوروبية"، وهي: الآداب العامة (فبعض الدعاوى قد تشتمل على جرائم جنسية)؛ والنظام العام، والمقصود هنا في المقام الأول النظام داخل قاعة المحكمة؛ والأمن القومي في مجتمع ديمقراطي؛ وعندما تصبح السرية ضرورة للحفاظ على مصالح القُصَّر أو الحياة الخاصة لأطراف الدعوى؛ أو إذا رأت المحكمة وجود ضرورة قصوى تتطلب ذلك في الحالات الخاصة التي سوف تضر الدعاية فيها بمصلحة العدالة.*** وقد فُسرت جميع هذه الاستثناءات بدقة.
وقد نوهت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بأنها ترى "أن نظر الدعوى القضائية، بصرف النظر عن الحالات الاستثنائية ["المذكورة في المادة 14(1) من العهد الدولي"]، يجب أن يتم ـ بوجه عام ـ في جلسات علنية مفتوحة للجمهور العام، بما في ذلك الإعلاميون، ولا يجب، على سبيل المثال، أن يقتصر فحسب على فئة معينة من الأفراد."
ولا يمنح القانون الدولي الدولة سلطة تقديرية غير مقيدة لتحدد لنفسها القضايا التي تعتبرها ماسة بالأمن القومي، حيث اشترط خبراء القانون الدولي والأمن القومي وحقوق الإنسان ما يلي لفرض هذا النوع من القيود: "لا يعد القيد المطلوب فرضه تحت مسوغ الأمن القومي مشروعاً، ما لم يكن الغرض الحقيقي منه والأثر الناجم عنه والذي يمكن التدليل عليه، هو حماية وجود البلاد أو سلامة أرضيها ضد محاولات لاستخدام القوة أو التهديد باستخدام القوة، أو للحفاظ على قدرتها للتصدي لأية محاولة لاستخدام القوة، أو لأي تهديد باستخدامها سواء أكان ذلك من مصدر خارجي، مثل تهديد عسكري، أو من مصدر داخلي، مثل التحريض على قلب نظام الحكم."
وقد رأت اللجنة الأوروبية أن استبعاد الجمهور العام من حضور جلسات قضية تدور حول جرائم جنسية ضحاياها من الأطفال القصر أمر جائز بموجب المادة 6(1) من "الاتفاقية الأوروبية".
وقررت المحكمة الأوروبية أن دواعي النظام العام والأمن تبرر استبعاد الصحافة والجمهور العام من حضور المحاكمات التأديبية التي تجرى في السجون للسجناء المحكوم عليهم. وأوضحت المحكمة أن عقد هذه المحاكمات علانية سوف يشكل "عبئاً غير متناسب على السلطات الرسمية."
ولا تجيز "الاتفاقية الأمريكية" تقييد الحق في المحاكم العلنية في الدعاوى الجنائية إلا "بالقدر الضروري لحماية مصالح العدالة."****
14/4 انتهاك الحق في النظر العلنياعتبرت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، واللجنة الأمريكية الدولية، أن المحاكمات السرية، التي تجرى في بيرو وكولومبيا، للمتهمين بارتكاب "جرائم متصلة بالإرهاب" وتهريب المخدرات تنتهك الحق في المحاكمة العادلة.
ففي بيرو، يُمنع الجمهور العام من حضور وقائع المحاكمات في هذه القضايا وفي دعاوى الاستئناف التالية أو جلسات المراجعة التي تعقد في دوائر المحاكم أمام قضاة يجلسون وراء شاشات تخفي هويتهم عن عيون المتهمين. ويُعرف هؤلاء القضاة، الذين يستخدمون أرقاماً بدلاً من أسمائهم في جميع وثائق المحكمة، باسم "القضاة المُقَنَّعين". وحثت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان حكومة بيرو على أن تلغي نظام "القضاة المقنعين" وأن تضمن إعادة العمل بنظام المحاكمات العلنية لجميع الأشخاص المتهمين بارتكاب أفعال جنائية، ومن بينهم المتهمون بارتكاب أنشطة متصلة بالإرهاب. ورغم أن نظام "القضاة المقنعين" قد ألغي في أكتوبر/تشرين الأول 1997، إلا أن محاكمات مرتكبي الجرائم المتصلة بالأنشطة الإرهابية مازالت تعقد في بيرو في جلسات مغلقة، سواء في محاكم عسكرية مغلقة أو في سجون مدنية.
كذلك فقد اعتبرت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، واللجنة الأمريكية الدولية، المحاكمات السرية التي تجريها كولومبيا أمام "قضاة مقنعين" مخالفة لمبادئ "العهد الدولي" و"الاتفاقية الأمريكية". وقد أوصت اللجنة الأمريكية الدولية بإلغاء أي شكل من أشكال المحاكمات السرية من أجل "التعزيز الشامل للعدالة، خاصةً ضماناتها الأساسية."
وقد وجدت اللجنة الأمريكية الدولية أن المحاكمات السرية، التي جرت أمام المحكمة العسكرية في شيلي، لأفراد الجيش المتهمين بارتكاب جرائم قتل، وإلحاق إصابات خطيرة بمواطنين، تتعارض مع سلامة الإجراءات القانونية؛ حيث إن السرية جعلت من المستحيل بالفعل على محامي الضحايا الاطلاع على العناصر الرئيسية للدعوى، وسمحت للسلطات العسكرية بالتحكم في الأدلة المقدمة.
الفصل الخامس عشر
افتراض براءة المتهم
من المبادئ الأساسية للحق في المحاكمة العادلة افتراض براءة أي شخص يتهم بارتكاب فعل جنائي إلى أن تثبت إدانته طبقاً للقانون بعد محاكمة عادلة، ويجب أن يظل افتراض البراءة قائماً ما لم يثبت العكس.
15/1 افتراض البراءة15/2 عبء الإثبات15/3 الإجراءات التي تمس الحق في افتراض البراءة15/4 بعد البراءة
15/1 افتراض البراءةلكل فرد الحق في أن يعتبر بريئاً، وأن يعامل أثناء المحاكمة باعتباره بريئاً، إلى أن يصدر الحكم بإدانته وفقاً للقانون في سياق محاكمة تتفق ـ على أقل تقديرـ مع الحد الأدنى للشروط الأساسية المقررة للعدالة، ويجب أن يظل افتراض البراءة قائماً ما لم يصدر هذا الحكم.*
ولا ينطبق الحق في افتراض البراءة على معاملة المتهم في المحكمة وتقييم الأدلة فحسب، بل ينطبق أيضاً على معاملته قبل المحاكمة. فهو ينطبق على المشتبه فيهم قبل اتهامهم رسمياً بارتكاب أية جريمة تمهيداً لتقديمهم للمحاكمة، ويستمر هذه الحق قائماً إلى أن يتم تأييد حكم الإدانة بعد استنفاد مراحل الاستئناف. (انظر الفصل 1/5 الخاص بالحق في افتراض الإفراج عن المتهم إلى حين محاكمته، والفصل 7 الخاص بحق المحتجز في أن يقدم إلى المحاكمة في غضون فترة زمنية معقولة أو يطلق سراحه، والفصل 8 الخاص بالحقوق أثناء التحقيق، والفصل 10 الخاص بالضمانات الإضافية للأشخاص المحتجزين قبل تقديمهم للمحاكمة).
كما أن حق المرء في ألا يجبر على أن يدين نفسه أو يعترف بذنبه، وما يترتب عليه من حق في التزام الصمت، إنما ينبعان من مبدأ افتراض البراءة (انظر الفصل 16 الخاص بالحق في عدم الإجبار على الشهادة أو الاعتراف بالذنب).
ويقتضي الحق في افتراض البراءة أن يتحاشى القضاة والمحلفون أي تحيز مسبق ضد المتهم. وينطبق هذا أيضاً على جميع الموظفين العموميين الآخرين. ومعنى هذا، أن على السلطات العامة، خاصةً النيابة العامة والشرطة، أن تمتنع عن الإدلاء بأية تصريحات عن إدانة أو براءة المتهم قبل صدور الحكم عليه. كما أن هذا يعني أيضاً أن على السلطات واجب منع أجهزة الإعلام الإخبارية أو غيرها من التنظيمات الاجتماعية القوية من التأثير على نتيجة الدعوى بمناقشة حيثياتها علانية.
ولكن الحق في افتراض البراءة لا يتعرض للانتهاك إذا أطلعت السلطات الرأي العام على أنباء التحقيقات الجنائية، وذكرت في سياق ذلك اسم المشتبه فيه، أو أعلنت أنها قبضت عليه أو أنه اعترف، طالما لم يقترن هذا بأي تصريح يفيد بأنه مذنب.
15/2 عبء الإثباتإن اعتبار المتهم بريئاً إلى أن تثبت إدانته في سياق محاكمة تتوفر له فيها جميع ضمانات المحاكمة العادلة؛ إنما هو شرط له أبلغ الأثر على العدالة الجنائية، فهو يعني أن عبء الإثبات يقع على الادعاء. وإذا توفرت أسباب معقولة للشك، فيجب ألا يدان المتهم.
وتقول المادة 66(3) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية: "يجب أن تقتنع المحكمة بأن المتهم مذنب بصورة لا تدع أي مجال معقول للشك قبل أن تدينه." ورغم أن معيار الإثبات ليس منصوصاً عليه بصراحة في المعايير الدولية الأخرى، إلا أن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان قالت "يقع عبء إثبات التهمة على الادعاء ويفسر الشك لصالح المتهم بسبب افتراض براءته." ولا يجوز افتراض أنه مذنب بأية صورة حتى تثبت عليه التهمة بما لا يدع أي مجال معقول للشك."
وطبقاً لمبدأ افتراض البراءة، يجب أن تضمن قواعد الإثبات وطريقة إجراء المحاكمة أن يتحمل الادعاء عبء الإثبات في جميع مراحل المحاكمة.
ويشترط القانون في بعض البلدان أن يوضح المتهم (وليس الادعاء) أركان بعض الجرائم المعينة. ومنها مثلاً أنه يجوز مطالبته بتفسير أسباب وجوده في مكان معين (أي في مكان وقوع الجريمة أو بالقرب منه)، أو حيازته لأشياء معينة (مثل بضائع مسروقة أو مهربة أو محظورة). وعندما تدرج هذه الشروط في نص القانون تسمى "افتراضات قانونية". وقد جرى الطعن في سلامة هذه الإجراءات لأنها تلقي بعبء الإثبات بصورة غير مقبولة على كاهل المتهم بدلاً من الادعاء، مما ينتهك مبدأ افتراض البراءة.
ولكن المحكمة الأوربية رأت أن "الافتراضات القانونية" هذه لا تنتهك بالضرورة مبدأ افتراض البراءة، ولكنها اشترطت أن يضع القانون تعريفاً دقيقاً لها، وأن تقيد بحدود معقولة. كذلك يجب أن تحفظ للمتهم الحق في الدفاع عن نفسه - أي يجب أن يكون بوسع المتهم أن يفندها ويدحضها.
ورأت اللجنة الأمريكية الدولية أن من الضروري إلغاء القواعد التي تسمح بتكييف الاتهام بارتكاب فعل جنائي بالاعتماد فقط على الاشتباه أو على وجود صلات، حيث إنها تلقي عبء الإثبات على المتهم بدلاً من الادعاء، مما يمثل انتهاكاً لمبدأ افتراض البراءة.
ورأت اللجنة الأمريكية الدولية أن المحاكم الخاصة في نيكاراغوا قد انتهكت مبدأ افتراض البراءة، حيث إنها اعتبرت أن انتماء متهم لقوة الحرس الوطني السابقة أو لهيئات متصلة به، هو في حد ذاته دليل يبرر افتراض أنه مذنب. وطبقاً للجنة، فإن المحاكم الخاصة قد بدأت التحقيق بناء على أن جميع هؤلاء الأشخاص المتهمين مذنبون إلى أن تثبت براءتهم.
15/3 الإجراءات التي تمس الحق في افتراض البراءةيجب أن يُتخذ من مبدأ افتراض البراءة أساساً تسير عليه المحاكمة. ومن ثم، يتعين على القاضي أن يدير المحاكمة دون أن يكون له رأي مسبق حول إدانة أو براءة المتهم الماثل أمامه، ويجب أن يضمن أن يتفق سير المحاكمة مع الالتزام بهذا المبدأ. (انظر الفصل 12/5 الخاص بالحق في نظر الدعوى أمام محكمة محايدة).
ويجب الحرص بشدة على ألا يحاط المتهم بسمات تشير إلى أنه مذنب أثناء المحاكمة مما قد يؤثر على افتراض براءته. ومن بين هذا الأوضاع وضعه في قفص بقاعة المحاكمة، وتكبيل يديه أو قدميه بالأصفاد أو الأغلال، أو إرغامه على ارتداء ثياب السجن في قاعة المحكمة، أو حلاقة شعر رأسه قبل إرساله إلى المحكمة في البلدان التي تقضي فيها الإجراءات بحلاقة شعر السجناء بعد إدانتهم.
وسعياً لتجنب إلصاق أية إشارة بالمتهم تثير التحيز ضده، يجب تزويده بملابس مدنية مهندمة عندما يمثل أمام المحكمة، إذا لم يكن يرتدي ملابس لائقة.**
وقد أعربت اللجنة الأوروبية عن رأيها في بعض الحالات التي زود فيها المسؤولون عن تقرير الحكم على المتهم، قبل أن يصدر عليه الحكم، بمعلومات عن أحكام الإدانة التي سبق أن صدرت عليه، ورأت أن ذلك الإجراء لا ينتهك ضمانات المحاكمة العادلة، بما في ذلك افتراض براءة المتهم. وفي إحدى تلك الحالات، أطلع رئيس المحكمة فريق المحلفين، قبل صدور الحكم على شخص متهم بارتكاب جريمة سطو، على معلومات عن الأحكام التي سبق صدورها عليه. وفي حالة أخرى أشير في المحكمة إلى أن المتهم قد سبقت إدانته بارتكاب جريمة سرقة، وفي حالة ثالثة أبلغت النيابة العامة المحكمة بأن المتهم سبقت إدانته من قبل في عدد كبير من القضايا، وذلك قبل أن يتوصل المحلفون إلى قرار بشأن تهمة الاغتصاب التي وجهت له.
15/4 بعد البراءةإذا بُرئت ساحة شخص ما من تهمة جنائية، بموجب حكم نهائي من محكمة، يصبح هذا الحكم ملزماً لجميع السلطات الرسمية. ومن ثم، يجب أن تمتنع السلطات العامة، خاصةً النيابة العامة والشرطة، عن الإيحاء بأية إشارة إلى أن هذا الشخص يحتمل أن يكون مذنباً، لتجنب الإخلال بمبدأ افتراض البراءة، واحتراماً لحكم المحكمة وسيادة القانون.
وقد وجدت المحكمة الأوروبية أن افتراض البراءة قد انتهك عندما أثارت محكمة نمساوية، بعد تبرئة أحد المتهمين، الظنون حول براءته في حيثيات حكمها برفض منحه تعويضاً عن الفترة التي قضاها محتجزاً قبل محاكمته.
كما وجدت اللجنة الأوروبية أن افتراض البراءة قد انتهك عندما أمرت محكمة سويسرية المتهم بأن يدفع جزءًا من نفقات التحقيق والمحاكمة؛ لأنها اعتبرته قد ارتكب الأفعال الجنائية التي حوكم من أجلها، رغم أن الدعوى الجنائية كانت قد حفظت بسبب تجاوزها للحد الزمني المقرر لها.
وتفصل النظم القانونية في بعض الدول بين القضاء الجنائي والمدني. ومن ثم، فإن حكم البراءة في قضية جنائية لا يمنع من مقاضاته مدنياً بناءً على نفس الوقائع، ولكن باستخدام معيار (أدنى) للإثبات.



الفصل السادس عشر
الحق في عدم الإكراه على الاعتراف بالذنب
لا يجوز إكراه أي شخص متهم بارتكاب فعل جنائي بالشهادة على النفس أو الإقرار بالذنب، وذلك بناءً على مبدأ افتراض البراءة (انظر الفصل 15)
16/1 الحق في عدم الإكراه على الشهادة على النفس أو الإقرار بالذنب16/2 الحق في التزام الصمت16/3 مزاعم الإكراه
16/1 الحق في عدم الإكراه على الشهادة على النفس أو الإقرار بالذنبلا يجوز إكراه أي شخص يتهم بارتكاب فعل جنائي بأن يشهد على نفسه أو يقر بذنبه. ويتفق هذا الحظر مع مبدأ افتراض البراءة، الذي يضع عبء الإثبات على الادعاء، ومع حظر التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.*
ويعتبر هذا الحق الجوهري مبدأً متأصلاً في المادة 6 من "الاتفاقية الأوروبية"، حتى رغم أنها لم تنص عليه صراحة، حيث أوضحت المحكمة الأوروبية ما يلي: "رغم أنه غير مذكور بالتحديد في المادة 6 من "الاتفاقية [الأوروبية]"؛ إلا أنه ما من شك في أن حق (المتهم) في التزام الصمت أثناء استجوابه، والحق الممنوح له بعدم تجريم نفسه، هما معياران من المعايير المعترف بها دولياً والتي تكمن في صلب فكرة عدالة المحكمة التي تنص عليها المادة 6. وبتزويد المتهم بهذا اللون من الحماية ضد التعرض لضرب غير لائق من الإرغام من جانب السلطات، فإن هذه الحصانات تسهم في تجنب أي خطأ في تطبيق العدالة وتؤمن أهداف المادة 6".
وحظر إكراه المتهم على الشهادة ضد نفسه أو الإقرار بذنبه مبدأ عريض. فهو يمنع السلطات من القيام بأي شكل من أشكال الإرغام سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، بدني أو نفسي. كما أنه يحظر استخدام التعذيب أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. ويحظر المعاملة التي تنتهك حق المحتجزين في المعاملة على نحو يكفل احترام الكرامة المتأصلة في شخصهم بحكم انتمائهم للأسرة الإنسانية. (انظر الفصل 10 الخاص بالحق في أوضاع احتجاز إنسانية وعدم التعرض للتعذيب). كما أنه يحظر كذلك فرض عقوبات قضائية بغرض إرغام المتهم على الاعتراف.
المعايير ذات الصلة
المادة 14(3)(ز) من "العهد الدولي""لكل متهم بجريمة أن يتمتع أثناء النظر في قضيته، وعلى قدم المساواة التامة، بالضمانات الدنيا الآتية:... (ز) ألا يكره على الشهادة ضد نفسه أو على الاعتراف بذنب."

16/2 الحق في التزام الصمتيعتبر حق المتهم في التزام الصمت أثناء استجواب الشرطة له، وخلال المحاكمة، متضمناً في حقين من الحقوق المكفولة بموجب المواثيق الدولية، وهما الحق في افتراض البراءة، والحق في عدم الإرغام على الشهادة أو الاعتراف بالذنب.
وحق الفرد في التزام الصمت، حتى عندما يشتبه في ارتكابه لأسوأ الجرائم الممكنة، مثل الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، مكفول صراحة في القاعدة 42(أ)(3) من "قواعد يوغوسلافيا"، والقاعدة 42(أ)(3) من "قواعد رواندا"، والمادة 55(2)(ب) من "النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية".
وأوضحت "المحكمة الأوروبية" أن الخروج باستنتاجات سلبية ضد المتهم من جراء التزامه بالصمت انتهاك لمبدأ افتراض البراءة والحق في عدم تجريم النفس، إذا كان الحكم بإدانته يستند فحسب أو في المقام الأول على صمته. ومع هذا، فقد اعتبرت المحكمة الأوروبية أن الحق في التزام الصمت ليس مطلقاً، ورأت بالأحرى أن مسألة المساس بالحقوق الخاصة بالمحاكمة العادلة، إذا استخلصت المحكمة استنتاجات سلبية ضد المتهم نتيجة لالتزامه الصمت؛ إنما يجب أن تحسم في ضوء جميع ملابسات القضية. وقررت المحكمة المذكورة أنه يجوز للمحكمة أن تستخلص استنتاجات سلبية من صمت المتهم ورفضه تفسير وجوده في مسرح الجريمة أثناء استجواب الشرطة له و خلال المحاكمة، دون أن يمس هذا مبدأ افتراض البراءة أو الحق الموازي له، وهو عدم الإجبار على الشهادة؛ ولكنها اعتبرت أن العوامل التالية حاسمة في هذا المقام: الامتناع عن استخراج أية استنتاجات إلا بعد أن يقدم الادعاء أدلة إثبات كافية ضد المتهم؛ ترك مسألة جواز الخروج أو عدم الخروج باستنتاجات لتقدير القاضي وحده؛ الاكتفاء بالاستنتاجات التي تمليها "الفطرة السليمة" مع توضيح أسباب الخروج بها في منطوق الحكم؛ أن تكون الأدلة ضد المتهم "قاطعة". ومع هذا، فقد وجدت المحكمة الأوروبية أن التقاعس عن السماح للمتهم بالتشاور مع محام خلال الثمانية والأربعين ساعة الأولى من احتجازه، أثناء استجواب الشرطة له، في الوقت الذي كان عليه أن يقرر ما إذا كان سيستخدم حقه في التزام الصمت أم لا، إنما هو انتهاك للمادة 6 من "الاتفاقية الأوروبية".
انظر الفصل 9/3 الخاص بالحق في التزام الصمت، والفصل 9 الخاص بالحقوق أثناء الاستجواب.
16/3 مزاعم الإكراهإذا زعم المتهم أنه تعرض لضرب من الإرغام أثناء الإجراءات لحمله على الإدلاء بأقوال أو الاعتراف بذنب، فينبغي أن تكون للقاضي سلطة نظر هذه المزاعم في أية مرحلة من مراحل التقاضي.
ويجب على السلطات المختصة، ومن بينها القضاء، أن تبادر - على وجه السرعة وفي إطار من الحيدة - إلى فحص جميع المزاعم التي تثار حول انتزاع الأقوال عن طريق التعذيب أو أي ضرب آخر من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.**
ولجميع المحتجزين والسجناء ولمحامييهم، وأفراد أسرهم الذين يمثلون مصالحهم، الحق في أن يتقدموا بشكاوى غير علنية إلى السلطات عند تعرض هؤلاء المحتجزون والسجناء للتعذيب أو سوء المعاملة. وينبغي البت في هذه الشكاوى بصورة سريعة والرد عليها دون إبطاء. وإذا رفضت الشكوى أو تأخر نظرها لفترة طويلة جداً، فيحق للشاكي أن يعرضها على القضاء أو على سلطة أخرى. ويجب عدم المساس بأية صورة بالشاكي نتيجة لشكواه.***
وعلاوة على ذلك، فعندما توجد أسباب معقولة تدعو لتصديق أن ضرباً من التعذيب أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة قد ارتكب، فيجب المبادرة على وجه السرعة إلى إجراء تحقيق نزيه في الواقعة.****
ويجب أن تستبعد المحكمة أي دليل، بما في ذلك اعترافات المتهمين، يُنتزع عن طريق التعذيب أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة أو بأي ضرب آخر من ضروب الإرغام، إلا عند نظر الدعاوى المرفوعة ضد الأشخاص الذين يزعم أنهم ارتكبوا هذه الضروب من التعذيب أو سوء المعاملة أو الإرغام. (انظر الفصل 17 الخاص باستبعاد الأدلة المنتزعة عن طريق التعذيب أو غيره من ضروب الإرغام). انظر كذلك الفصل 9 الخاص بالحقوق أثناء الاستجواب والفصل 10/4 الخاص بعدم التعرض للتعذيب أو سوء المعاملة.

الفصل السابع عشر
استبعاد الأدلة المنتزعة نتيجة للتعذيب أو غيره من ضروب الإكراه
يجب أن تستبعد المحاكم الأدلة المستمدة من التعذيب أو الإرغام، بما في ذلك الاعترافات المنتزعة من المتهمين.
17/1 استبعاد الأدلة المستمدة من التعذيب أو سوء المعاملة17/2 استبعاد الأدلة المنتزعة عن طريق الإكراه 17/2/2 المادة 8(3) من "الاتفاقية الأمريكية"
17/1 استبعاد الأدلة المستمدة من التعذيب أو سوء المعاملةلا يجوز أن تستخدم المحاكم في نظر الدعاوى القضائية أي دليل، بما في ذلك اعترافات المتهمين، ينتزع تحت وطأة التعذيب أو أي ضرب آخر من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، إلا عند إقامة الدعوى القضائية على هؤلاء الأشخاص المزعوم أنهم انتزعوا تلك الأدلة قسراً.
وتستبعد أية أقوال تستمد عن طريق التعذيب إلا عند محاكمة الأشخاص المزعوم أنهم مارسوا هذا التعذيب.* ولا تكتفي بعض المعايير الدولية الأخرى باستبعاد أية أقوال تنتزع تحت وطأة التعذيب، بل ترفض أيضاً الأخذ بأية أقوال تنتزع عن طريق المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.** ولا تنطبق هذه المعايير على الأقوال المنتزعة من المتهمين وحدهم، بل على أية أقوال أخرى تنتزع من الشهود.
المعايير ذات الصلة
المبدأ 16 من "المبادئ التوجيهية بشأن أعضاء النيابة العامة""إذا أصبحت في حوزة أعضاء النيابة العامة أدلة ضد أشخاص مشتبه فيهم وعلموا أو اعتقدوا، استناداً إلى أسباب وجيهة، أن الحصول عليها جرى بأساليب غير مشروعة تشكل انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان بالنسبة للمشتبه فيه، وخصوصاً باستخدام التعذيب أو المعاملة أو المعاقبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، أو بواسطة انتهاكات أخرى لحقوق الإنسان، وجب عليهم رفض استخدام هذه الأدلة ضد أي شخص غير الذين استخدموا الأساليب المذكورة أو إخطار المحكمة بذلك، واتخاذ كافة التدابير اللازمة لضمان تقديم المسؤولين عن استخدام هذه الأساليب إلى العدالة".
المادة 12 من "إعلان مناهضة التعذيب""إذا ثبت أن الإدلاء ببيان ما كان نتيجة للتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة القاسية أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، لا يجوز اتخاذ ذلك البيان دليلاً ضد الشخص المعني أو ضد أي شخص آخر في أية دعوى."
المادة 15 من "اتفاقية مناهضة التعذيب""تضمن كل دولة طرف عدم الاستشهاد بأية أقوال يثبت أنه تم الإدلاء بها نتيجة للتعذيب، كدليل في أية إجراءات، إلا إذا كان ذلك ضد شخص متهم بارتكاب التعذيب كدليل على الإدلاء بهذه الأقوال."
المادة 69(7) من "النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية""لا يؤخذ بالأدلة المستمدة عن طريق انتهاك هذا النظام الأساسي أو معايير حقوق الإنسان المعترف بها دولياً في الحالات الآتية:
أ) إذا ألقى الانتهاك ظلاً خطيراً من الشك على مصداقية الدليل.
ب) إذا تعارض قبول الدليل مع صحة إجراءات الدعوى وأضر بها ضرراً خطيراً.

17/2 استبعاد الأدلة المنتزعة عن طريق الإكراهتوجد صور من الإرغام لا تمثل لوناً من التعذيب، ولكن استعمالها مع ذلك لانتزاع الأدلة يظل محظوراً، وهي تفسد أي دليل يتم الحصول عليه بواسطتها. وقد مدت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان نطاق الحظر ليشمل استخدام الأدلة المنتزعة قسراً حيث تقول: "يجب أن يحظر القانون الأخذ في الإجراءات القضائية بأية أقوال أو اعترافات يتم الحصول عليها عن طريق التعذيب أو أي ضرب آخر من ضروب المعاملة المحظورة". وقالت اللجنة أيضاً: "يجب أن ينص القانون على أن الأدلة المنتزعة ... عن طريق... أي ... ضرب من ضروب الإرغام غير مقبولة برمتها." وقالت اللجنة أيضاً إن "الاعترافات المنتزعة عن طريق الإكراه يجب أن تستبعد بانتظام من الإجراءات القضائية..."
كما أن "مجموعة المبادئ" تمنع استغلال وضع المحتجز لإرغامه على الشهادة أو الاعتراف، أو استخدام العنف أو التهديد أو أساليب الاستجواب التي تنال من قدرته على اتخاذ القرارات أو من حكمه على الأمور.*** أما المبدأ 27 فينص على أن يؤخذ في الاعتبار عدم التقيد بهذه المبادئ في الحصول على الدليل لدى البت في جواز قبول ذلك الدليل.****
وتعتقد منظمة العفو الدولية أنه حينما توجد مزاعم بشأن انتزاع أقوال نتيجة التعذيب أو ضرب من المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة أو عن طريق الإكراه، فيجب أن تنظر المحكمة على حدة في هذه الأدلة قبل أن تقبل الأخذ بها. ويجب على المحكمة في تلك الحالة أن تنظر في الأدلة التي تثبت أو تنفي طواعية الإدلاء بالأدلة موضع النظر. فإذا ما انتهت إلى أن الإدلاء بها لم يكن طوعياً، فيجب أن تستبعدها من قائمة الأدلة في جميع الإجراءات، فيما عدا تلك الإجراءات التي تتخذ ضد الأشخاص المتهمين بأنهم انتزعوها قسراً.
وعندما يتحصل الادعاء على أدلة ضد المشتبه فيهم يعرف أو يعتقد، بناءً على أسباب معقولة، أنها انتزعت عن طريق اللجوء إلى أسباب غير مشروعة تمثل انتهاكاً جسيماً لما لهم من حقوق الإنسان؛ فيجب أن يتخذ جميع الخطوات اللازمة لضمان تقديم جميع المسؤولين عن استخدام هذه الوسائل إلى العدالة.*+
17/2/2 المادة 8(3) من "الاتفاقية الأمريكية"تقضي المادة 8(3) من "الاتفاقية الأمريكية" بعدم جواز الأخذ باعتراف المتهم بذنبه ما لم يدل به دون إكراه من أي نوع. وهي بذلك تختلف عن المعايير التي استشهدنا بها في القسم الأول من هذا الفصل في جانبين هامين. أولهما أنها تقصر الأمر على اعترافات المتهم وليس على "أي دليل". وثانيهما أنها تقضي باستبعاد الاعترافات إذا كان هناك إرغام من أي نوع، بما في ذلك أي لون من ألوان السلوك التي، وإن أدرجت تحت بند الإكراه، قد ترقى للتعذيب أو لأي ضرب آخر من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
وأعربت اللجنة الأمريكية الدولية عن رأيها في أن استخدام الاعترافات التي يتم الحصول عليها من أي فرد، أثناء احتجازه بمعزل عن الاتصال بالعامل الخارجي (أي دون الاستعانة بمحام)، يعد انتهاكاً لحقه بموجب أحكام "الاتفاقية الأمريكية".
المعايير ذات الصلة
المادة 8(3) من الاتفاقية الأمريكية"عدم جواز الأخذ باعتراف المتهم بذنبه ما لم يدل به دون إكراه من أي نوع".




الفصل الثامن عشر
حظر تطبيق القوانين الجنائية بأثر رجعي أو محاكمة المتهم على نفس الجريمة مرتين
لا يجوز إقامة الدعوى القضائية على أي شخص بسبب عمل قام به أو الامتناع عن القيام به لم يكن ارتكابه أو عدم ارتكابه مؤثماً جنائياً في وقت الارتكاب أو الامتناع. ولا يجوز إقامة الدعوى القضائية أكثر من مرة واحدة على نفس الجريمة في نطاق نفس الولاية القضائية.
18/1 حظر إقامة الدعوى القضائية بسبب ارتكاب أفعال لم تكن مجرمة وقت ارتكابها18/2 حظر إقامة الدعوى القضائية مرتين على نفس الجريمة 18/2/1 حظر إقامة الدعوى القضائية مرتين على نفس الجريمة في "الاتفاقية الأمريكية"18/3 "المحاكم الدولية"
18/1 حظر إقامة الدعوى القضائية بسبب ارتكاب أفعال لم تكن مجرمة وقت ارتكابهالا يجوز إدانة أي شخص بسبب ارتكابه لفعل أو امتناعه عن ارتكاب فعل، لم يكن ارتكابه أو الامتناع عن ارتكابه، يمثل مخالفةً في حينه بموجب القانون الوطني أو الدولي أو طبقاً للمبادئ العامة للقانون المعترف به لدى أسرة الأمم.*
ولا يجوز إيقاف العمل بهذا الحظر لتطبيق القانون الجنائي بأثر رجعي في أية حالة، بما في ذلك حالات الطوارئ **(انظر الفصل 31 الخاص بالحقوق في المحاكمة العادلة أثناء حالات الطوارئ).
ويمنع هذا الحظر تطبيق القانون الجنائي بأثر رجعي. ولا يقتصر الحظر هنا على إقامة الدعوى بأثر رجعي، لكنه يلزم الدولة أيضاً أن تضع تعريفاً قانونياً دقيقاً لكل مخالفة جنائية.
ويشمل تعريف المخالفة القانونية بمقتضى القانون الوطني تلك الأفعال التي تؤثمها القوانين المكتوبة وتلك التي تؤثمها مبادئ القانون العام.
المعايير ذات الصلة
المادة 11(2) من "الإعلان العالمي""لا يدان أي شخص بجريمة بسبب أي عمل أو امتناع عن عمل لم يكن في حينه يشكل جرماً بمقتضى القانون الوطني أو الدولي، كما لا توقع عليه أية عقوبة أشد من تلك التي كانت سارية في الوقت الذي ارتكب فيه الفعل الجرمي".
المادة 15(1) من "العهد الدولي""لا يدان أي فرد بأية جريمة بسبب فعل أو امتناع عن فعل لم يكن وقت ارتكابه يشكل جريمة بمقتضى القانون الوطني أو الدولي، كما لا يجوز فرض أية عقوبة تكون أشد من تلك التي كانت سارية المفعول في الوقت الذي ارتكبت فيه الجريمة..."

والمخالفة في تعريف القانون الدولي هي كل فعل ينتهك قانون المعاهدات الدولية أو الأعراف الدولية. ومعنى هذا أنه تجوز إقامة الدعوى القضائية على مرتكبي جرائم مثل الإبادة الجماعية وغيرها من الجرائم ضد الإنسانية والانتهاكات الخطيرة لاتفاقيات جنيف (المعروفة بجرائم الحرب)، أو الاسترقاق أو التعذيب، حتى إذا لم يكن القانون الوطني يجرمها حين ارتكابها.***
كذلك، يمنع الحظر على تطبيق القانون الجنائي بأثر رجعي فرض أية عقوبة أكبر من العقوبة التي كان منصوصاً عليه في القانون وقت ارتكابها، رغم أن الدولة ملزمة بأن تخفف العقوبة بأثر رجعي إذا خففت في القانون بعد تطبيقها. (انظر الفصل 25 الخاص بالعقوبات).
وقد رأت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان أن المادة 15 من "العهد الدولي" قد انتهكت، في عدة حالات في بيرو، حيث قضت المحاكم العسكرية بمعاقبة أعضاء أحزاب المعارضة بتهمة الانتماء إلى "جمعيات تخريبية"، لأنهم كانوا أعضاءً في أحزاب حُظر نشاطها في فترة لاحقة.
واعتبرت اللجنة الأفريقية أن تطبيق المراسيم النيجيرية بأثر رجعي انتهاك للمادة 75(2) من الميثاق الأفريقي.
18/2 حظر إقامة الدعوى القضائية مرتين على نفس الجريمةلا تجوز محاكمة أي شخص أو معاقبته مرتين على نفس الجريمة في ظل نفس الولاية القضائية إذا كان قد صدر عليه حكم نهائي بالإدانة أو البراءة بشأنها.****
كما أن هذا الحظر لمحاكمة الشخص مرتين على جريمة واحدة، المعروف أيضاً باسم مبدأ "عدم جواز المحاكمة على ذات الجرم مرتين" يمنع محاكمة أو معاقبة الشخص أكثر من مرة واحدة في نفس الولاية القضائية على نفس الجريمة.
وينطبق هذا الحظر على الأفعال الجنائية. وحتى إذا لم تكن قوانين الدولة "تؤثم" الفعل، فيمكن اعتباره "جنائياً" في سياق المعايير الدولية بناءً على طبيعة الجريمة والعقوبات المحتملة. وينطبق الحظر على جميع الأفعال الجنائية أياً كانت خطورتها.
المعايير ذات الصلة
المادة 14(7) من "العهد الدولي""لا يجوز تعريض أحد مجدداً للمحاكمة أو للعقاب على جريمة سبق أن أدين بها أو برئ منها بحكم نهائي وفقاً للقانون وللإجراءات الجنائية في كل بلد."
المادة 4 من "البروتوكول السابع للاتفاقية الأوروبية""1) لا يجوز تعريض أحد للمحاكمة أو العقاب مجدداً في إجراءات جنائية في نطاق الولاية القضائية لنفس الدولة على جريمة سبق أن برئ منها أو أدين بها بحكم نهائي وفقاً للقانون والإجراءات الجزائية في الدولة.
2) لا تمنع أحكام الفقرة السابقة من إعادة فتح ملف أية قضية وفقاً للقانون والإجراءات الجزائية في الدولة المعنية إذا ظهرت أدلة جديدة أو اكتشفت وقائع جديدة أو إذا شاب الإجراءات السابقة خلل جوهري، من شأنه أن يؤثر على نتيجة الدعوى.
3) لا يجوز التخفف من هذه المادة بموجب المادة 15 من الاتفاقية."

وينطبق هذا الحظر على الأفعال الجنائية. وحتى إذا لم تكن قوانين الدولة "تؤثم" الفعل، فيمكن اعتباره "جنائياً" في سياق المعايير الدولية بناءً على طبيعة الجريمة والعقوبات المحتملة. وينطبق الحظر على جميع الأفعال الجنائية أياً كانت خطورتها.
ويسري حظر تكرار المحاكمة بعد صدور حكم نهائي بالإدانة أو البراءة طبقاً لقوانين الدولة والإجراءات المعمول بها فيها، أي بعد الاستنفاد النهائي لجميع المراجعات والاستئنافات القضائية وانقضاء المهلة الزمنية المحددة لإجراء هذه المراجعة القضائية ورفع دعاوى الاستئناف.
ويمنع القانون إجراء محاكمات جديدة أو فرض عقوبات جديدة في ظل نفس الولاية القضائية على نفس الجريمة. ولا يُنتهك هذا المبدأ عند محاكمة نفس المتهم فيما بعد على جريمة أخرى أو في ظل ولاية قضائية أخرى.
وقد اعتبرت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان أن هذا المبدأ لم يُنتهك في حالة مواطن إيطالي حاكمته السلطات الإيطالية بعد أن صدر عليه حكم إدانة نهائي في سويسرا على نفس الأفعال؛ لأن "اللجنة قد لاحظت أن هذا الحكم لا يحظر إلا تكرار المحاكمة على نفس التهمة في نفس الدولة."
ولا يمنع حظر تكرار المحاكمة على نفس التهمة من إعادة فتح ملفات القضايا (بما في ذلك إجراء محاكمات جديدة) عند حدوث خطأ في تطبيق العدالة. ويجب التمييز بين إعادة فتح ملف القضية أو إجراء محاكمة جديدة بناءً على وجود ظروف استثنائية (وهو أمر جائز) ومحاكمة المتهم أو معاقبته على نفس الجريمة (وهو أمر محظور). ومن ثم، يجوز إجراء محاكمات جديدة على سبيل المثال عندما تظهر أدلة جديدة، بعد الإدانة، على وجود مخالفات إجرائية خطيرة أو في حالة ظهور أو اكتشاف وقائع جديدة. (انظر الفصل 30 الخاص بالحق في التعويض عن الأخطاء في تطبيق العدالة.)
18/2/1 حظر إقامة الدعوى القضائية مرتين على نفس الجريمة في "الاتفاقية الأمريكية"تختلف الأحكام الواردة في المادة 8(4) من "الاتفاقية الأمريكية" بشأن مبدأ عدم محاكمة الشخص مرتين على جريمة واحد (المعروف أيضاً باسم مبدأ "عدم جواز المحاكمة على ذات الجرم مرتين" عما جاء في "العهد الدولي" و"البروتوكول السابع للاتفاقية الأوروبية".
فهذه الاتفاقية ذهبت أولاً إلى عكس ما ذهب إليه العهد والبروتوكول المذكورين اللذين ينطبقان على أحكام الإدانة والبراءة، فقصرت الحظر على الحالات التي سيق أن تبين فيها أن المتهم غير مذنب (أي برئت ساحته). ومن ناحية ثانية، فإن العهد والبروتوكول يحظران المحاكمات التالية على نفس الجريمة، بينما تحظر "الاتفاقية الأمريكية" إجراء محاكمة جديدة "لنفس السبب". ومعنى هذا أن الحظر ينطبق عندما تتصل التهم بنفس الموضوع أو نفس الوقائع، حتى وإن كانت التهم الجديدة مختلفة عن التهم السابقة. وبموجب الاتفاقية الأمريكية، فإن حق الفرد ينتهك بموجب المادة 8(4)، حتى وإن صدر عليه الحكم بالبراءة لمجرد أن الدعوى القضائية أقيمت عليه من جديد.
المعايير ذات الصلة
المادة 8(4) من "الاتفاقية الأمريكية""لا يجوز تعريض أحد لمحاكمة جديدة على نفس السبب إذا صدر حكم ببراءته غير قابل للاستئناف."

18/3 "المحاكم الدولية"يجوز بالنسبة للأشخاص الذين حوكموا بالفعل أمام المحاكم الوطنية على أفعال، تشكل انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني، أن يقدموا مرة أخرى للمحاكمة أمام المحكمتين الدوليتين الخاصتين بيوغوسلافيا ورواندا. وإذا كان الفعل الذي حوكم بسببه المتهم أمام المحكمة الوطنية موصف بأنه جريمة عادية (في مقابل توصيفها كانتهاك خطير للقانون الإنساني)، أو إذا لم تكن إجراءات نظر الدعوى أمام المحكمة الوطنية مستقلة أو محايدة، أو إذا كانت الإجراءات المتبعة في المحكمة الوطنية معدة لحماية المتهم من المساءلة الجنائية الدولية أو في حالة الإبطاء في نظر الدعوى أمام المحكمة الوطنية.
ومع هذا، فلا يجوز بالنسبة للأشخاص الذين حوكموا أمام المحكمتين الدوليتين المذكورتين بتهمة ارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني أن يقدموا فيما بعد للمحاكمة على نفس التهم أمام المحاكم الوطنية.*+



الفصل التاسع عشر
الحق في المحاكمة دون تأخير لا مبرر له
لكل فرد اتهم بارتكاب فعل جنائي الحق في أن يحاكم دون تأخير لا مبرر له، على أن يتوقف تقدير الوقت المعقول على ملابسات الحالة.
19/1 الحق في المحاكمة دون تأخير لا مبرر له19/2 ما المقصود بالوقت المعقول؟ 19/2/1 تعقيد القضية 19/2/2 سلوك المتهم 19/2/3 سلوك السلطات
19/1 الحق في المحاكمة دون تأخير لا مبرر لهيجب أن تبدأ الإجراءات الجنائية وتنتهي في غضون مدة معقولة.* ومعنى هذا الشرط الأساسي هو ضرورة مراعاة التوازن بين حق المتهم في مساحة زمنية وتسهيلات كافية لإعداد دفاعه (انظر الفصل 8)، وضرورة البدء في نظر الدعوى وإصدار الحكم (بعد جميع مراحل الاستئناف) دون أي تأخير لا مبرر له. ويلزم هذا الحق السلطات بضمان الانتهاء من جميع الإجراءات، بدءًا من المراحل السابقة للمحاكمة حتى النقض، إلى أن يصبح الحكم نهائياً في غضون فترة زمنية معقولة.
وهذا الحق منصوص عليه في المادة 14(3)(ج) من "العهد الدولي"، والمادة 21(4)(ج) من النظام الأساسي ليوغوسلافيا، والمادة 20(4)(ج) من النظام الأساسي لرواندا، والمادة 67(1)(ج) من "النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية"، وكلها يقضي بأن تجري محاكمة المتهمين بارتكاب جرائم "دون تأخير لا مبرر له"، كما أنه وارد في المادة 7(1)(د) من "الميثاق الأفريقي"، والمادة 8(1) من "الاتفاقية الأمريكية"، والمادة 6(1) من "الاتفاقية الأوروبية"، وكلها ينص على أن تجري جميع المحاكمات (جنائية وغير جنائية) "في غضون فترة زمنية معقولة". (والفارق في التعبير بين "دون تأخير لا مبرر له" و"في غضون فترة زمنية معقولة" ليس ذي أهمية في التطبيق العملي).
ويغدو الالتزام الواقع على الدولة بالإسراع في نظر الدعاوى القضائية أكثر إلحاحاً بالنسبة لأي شخص يتهم بارتكاب فعل جنائي ويحتجز على ذمة قضية، فعندما يكون المرء محتجزاً، يغدو التأخير معقولاً كلما قلت مساحته الزمنية. وتقضي المعايير الدولية بالإفراج عن أي شخص متهم بارتكاب فعل جنائي من الاحتجاز ريثما تتم محاكمته، إذا تجاوزت فترة احتجازه على ذمة القضية الحد الذي يعتبر معقولاً وفقاً لملابسات الحالة. انظر الفصل 7 الخاص بالحق في المحاكمة في غضون فترة زمنية معقولة أو الإفراج عن المحتجزين.
وضمان المحاكمة العاجلة في الدعاوى الجنائية مرتبط بالحق في الحرية، وافتراض البراءة، وحق المرء في الدفاع عن نفسه. والهدف من هذا ضمان البت في مصير المتهم دون أي تأخير لا مبرر له، وكذلك ضمان عدم المساس بحقه في الدفاع عن نفسه بسبب انقضاء فترة زمنية مفرطة في الطول قد تتلاشى تفاصيل الوقائع من ذاكرة الشهود أو تتشوه، أو قد يتعذر إيجادهم، أو تتلف الأدلة الأخرى أو تختفي. كما يهدف هذا أيضاً إلى ضمان اختصار فترة القلق التي يكابدها المتهم خوفاً على مصيره والمعاناة التي يقاسيها من جراء الوصمة التي تلحق به نتيجة اتهامه بارتكاب فعل جنائي، رغم افتراض براءته. ويجسد الحق في سرعة المحاكمة في عبارة موجزة الحكمة القائمة إن "العدالة البطيئة نوع من الظلم."
ولا يعتمد الحق في المحاكمة في غضون فترة زمنية معقولة على مطالبة المتهم للسلطات بأن تسرع في نظر الدعوى، ورغم أن عبء إثبات أن الإجراءات لم تتم في غضون فترة زمنية معقولة يقع بوجه عام على المتهم، إلا أن المتهم ليس مضطراً لأن يدلل على أن التأخير قد ألحق به ضرراً معيناً.
وتبدأ الفترة الزمنية التي تؤخذ في الاعتبار عند تحديد ما إذا كان حق المتهم في الإسراع بنظر دعواه قد احترم أم لا منذ اللحظة التي يخطر فيها بأن السلطات تتخذ خطوات محددة لإقامة الدعوى القضائية ضده. وتنتهي عندما تستنفد جميع سبل استئناف الحكم الصادر ويصبح الحكم نهائياً. وقد قالت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان عن هذا: "لا يتصل هذا الضمان فحسب بالوقت الذي ينبغي أن تبدأ فيه المحاكمة، بل بالوقت الذي سوف تنتهي فيه كذلك ويصدر الحكم، ويجب أن تتم جميع المراحل "دون تأخير لا مبرر له". ولتفعيل هذا الحق، يجب وضع إجراء يمكن الاستعانة به من أجل ضمان بدء المحاكمة "دون تأخير لا مبرر له" أمام المحكمة الابتدائية وأمام محاكم الاستئناف على السواء.
المعايير ذات الصلة
المادة 14(3)(ج) من "العهد الدولي""لكل متهم بجريمة أن يتمتع أثناء النظر في قضيته، وعلى قدم المساواة التامة، بالضمانات الدنيا الآتية: …
(ج) أن يحاكم دون تأخير لا مبرر له."

19/2 ما المقصود بالوقت المعقول؟يُقيم الحد الزمني المعقول بناءً على ملابسات كل حالة على حدة، والأركان التي يلتفت لها في هذا السياق تشمل ما يلي: التشريع الوطني، واحتجاز المتهم أو عدم احتجازه (الفصل 7)، وتعقيد القضية، وسلوك المتهم وسلوك السلطات. وقد اعتبرت بعض المحاكمات التي استغرقت فترات طويلة، قد تصل إلى عشر سنوات، أنها لم تتجاوز الحد الزمني المعقول لها، بينما رؤى بالنسبة لبعض المحاكمات، التي استغرقت أقل من عام أنها، قد تجاوزت الحد المعقول للتأخير.
ففي حالة لرجل اتهم بارتكاب جريمة قتل في بنما احتجز بدون كفالة لأكثر من ثلاث سنوات ونصف قبل صدور الحكم ببراءته، اعتبرت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان أن الفترة الفاصلة بين صدور لائحة الاتهام والمحاكمة "لا يمكن تبريرها بالاستناد فحسب إلى تَعَقُّد وقائع الدعوى وطول التحقيقات"
ولكن المحكمة الأمريكية الدولية، بعد أن فحصت التشريع الوطني والملابسات المعقدة التي تكتنف الحالة، وسير الإجراءات وسلوك السلطات، انتهت إلى أن فترة الخمسين شهراً التي استغرقها نظر الدعوى إلى حين انتهائها قد تجاوز بشدة الشروط الأساسية المحددة في المادة 8(1) من "الاتفاقية الأمريكية".
19/2/1 تعقيد القضيةتوجد الكثير من العوامل التي تؤخذ في الاعتبار لتحديد ما إذا كانت الفترة التي تمت خلالها الإجراءات معقولة في ضوء تعقيد الملابسات، ومن بينها طبيعة وخطورة الجريمة المتضمنة، وعدد التهم المنسوبة للمتهم وطبيعة التحقيق المطلوب، وعدد الأشخاص المزعوم تورطهم في ارتكاب الجريمة وعدد الشهود.
وقد بات من المسلم به الآن أن الجرائم الاقتصادية أو المخدرات التي تشمل عدد من المتهمين، والقضايا ذات الجوانب الدولية، وتلك التي تتضمن جرائم قتل متعددة أو تتعلق بأنشطة المنظمات "الإرهابية"، أكثر صعوبة وتعقيداً من القضايا الجنائية الروتينية، ومن ثم فإن الحد الزمني المعقول هنا أطول.
ففي قضية شملت 723 متهماً و607 أفعال جنائية، انتهت المحكمة الأوروبية إلى أنه من المعقول أن يستمر نظر الدعوى أمام المحكمة الابتدائية حوالي ثماني سنوات ونصف. ومع هذا، فقد اعتبرت أن فترات التأخير والتعطيل التالية، ومن بينها فترة السنوات الثلاث التي استغرقتها المحكمة العسكرية لإعداد مذكرة أسباب الحكم، ودعاوى الاستئناف التي أقيمت أمام محكمتين واستمرت أكثر من ست سنوات، قد تجاوزت الحد المعقول من الزمن.
19/2/2 سلوك المتهمليس المتهم مرغماً على التعاون في الإجراءات الجنائية أو التنازل عن أي من حقوقه الإجرائية. ومع هذا، فإن سلوكه خلال نظر وقائع الدعوى يؤخذ في الاعتبار عند البت فيما إذا كانت الإجراءات قد نفذت دون تأخير لا مبرر له أم لا. فمحاولة المتهم للفرار وامتناعه عن التعاون (كأن يرفض مثلاً اختيار محام أو عدم حضور جلسات المحكمة) قد اعتبرت أنواعاً من التأخير لا ضلع للسلطات فيه. وتخصم مدة هذه التأخيرات عند تحديد ما إذا كانت الإجراءات قد تمت في غضون مدة زمنية معقولة. وعلاوة على ذلك، فإن الطلبات المقدمة من المتهم، التي لا لزوم لها ولا توجد أية فرصة لنجاحها منذ البداية، قد اعتبرت محاولات متعمدة لتعويق سير القضية.
19/2/3 سلوك السلطاتإن على السلطات واجب الإسراع بنظر الدعوى. وإذا تقاعست عن مباشرة الإجراءات في أية مرحلة بسبب الإهمال، أو سمحت بالتباطؤ في التحقيق أو في وقائع نظر الدعوى، أو استغرقت وقتاً يجاوز الحد المعقول لإتمام بعض التدابير المعينة، فتعتبر المساحة الزمنية لنظر القضية قد استغرقت فترة تجاوز الحد المعقول. وبالمثل، فإذا أعاق نظام العدالة الجنائية نفسه النظر السريع للقضايا، فيجوز أن يعتبر هذا انتهاكاً لحق المتهم في الانتهاء من محاكمته في غضون فترة زمنية معقولة.
وقد وجدت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان أن المادة 14 من "العهد الدولي" قد انتهكت في حالة استغرق فيها نظر دعوى الاستئناف في كندا حوالي ثلاث سنوات، وكان السبب الأول في ذلك التأخير هو أن إعداد محاضر جلسات المحاكمة استغرق 29 شهراً.
واعتبرت المحكمة الأوروبية أن انقضاء 15 شهراً ونصف، بين رفع دعوى الاستئناف وإحالتها إلى مسجل محكمة الاستئناف ذات الصلة، فترة تجاوز الحد المعقول حيث قدمت السلطات تفسيرات غير مرضية لتبرير هذا التأخير.

0 التعليقات:

إرسال تعليق